Wednesday, June 23, 2010

الزواج الثانى للأقباط... الفتنة النائمة


يأتى الحديث عن حكم المحكمة الإدارية العليا فى 29/5/2010 بإلزام الكنيسة بإصدار تصاريح تسمح للأقباط المطلقين بالزواج الثانى ورد فعل رأس الكنيسة البابا شنودة برفض القرار والتمسك بأن الزواج والطلاق في المسيحية هو سر مقدس وعمل ديني بحت، وليس مجرد عمل إداري، إن الكنيسة لا تقبل ما اعتبره أحكاما مخالفة لتعاليم الإنجيل وضد الحرية الدينية التي كفلها الدستور.

وقد حاولت المحكمة فى حكمها الظهور بمظهر المحايد والحريص على تطبيق القانون والدستورحيث نصت فى الحكم على ان قضية الزواج الثاني تتعلق "بالحقوق الطبيعية للإنسان فى تأسيس أسرة وإنجاب ابناء يصبحوا نواة للمجتمع، وهو حق آلهي دستوري منصوص عليه فى جميع الاديان، فضلا ان الكتاب المقدس ينص على ان علاقة الزواج تصبح منتهية بالطلاق"، كما أصرت المحكمة أن الحكم راعى الكتاب المقدس ولائحة الاحوال الشخصية للأقباط التى أقرت فى عام 1938 والمعترف بها حتى الان من قبل الدولة.

.وعموما فإن هذه القضية ليست جديدة فكثير من أحكام مماثلة سبق صدورها من المحاكم بإعادة تزويج للمطلقين ولكن الكنيسة فى كل مرة كانت تتجاهل هذه الأحكام وتمر المسألة بهدوء، الجديد فى هذه المرة أن الحكم صدر من المحكمة الإدارية العليا بعد الطعن عليه من قبل البابا شنودة وهذه المحكمة هى اعلى سلطة قضائية فيعتبر الحكم نافذا ولا يمكن نقضه بالإضافة الا أن منطوق الحكم تضمن أمرا واجب التنفيذ الى الكنيسة بإصدار تصاريح الزواج الثانى إعتمادا على لائحة 1938 والتى لا يعترف بها قداسة البابا.

وقد اعتبرت الكنيسة الأرثوذكسية الحكم بمثابة تحد لسلطتها الزمنية على أتباعها وتم عقد المجمع المقدس والذى لم يتم عقده الا مرة واحدة خلال 39 عاما هى مدة تولى البابا شنودة كرسى البابوية وذلك بحضور 82 أسقفاً يمثلون الكنيسة المصرية فى مصر والمهجر انتهوا إلى الإعلان الرسمى عن رفضهم حكم المحكمة الإدارية العليا التى قضت بأحقية الأقباط فى التصريح لهم بالزواج الثانى، وانضمت الأغلبية الكاسحة من المسيحيين لمآزرة البابا فى رفضه للحكم ولتطبيق الشريعة المسيحية من وجهة نظرهم وانضم فى ذلك كثير من الأصوات المعارضة منهم الناشط القبطى "مايكل منير" والقس "بطرس فلتاؤوس"، مع تأييد الأزهر لموقف البابا طبقا لما أعلن الشيخ خالد الجندي فى برنامجه ( المجلس) على فضائية أزهرى تضامنه الكامل مع البابا شنودة والكنيسة المصرية فى أزمة الزواج الثاني ورفض حكم المحكمة الادارية العليا

بل أن البابا استشهد بالشريعة الإسلامية وذكر أن الإسلام يقول" إذا أتاك أهل الذمة فاحكم بينهم بما يدينون"، وأن هذا الحكم لا يلزم الكنيسة لأنه حكم مدنى، وأن ما يلزم الكنيسة فى مثل هذه القضايا هو الإنجيل وليس أى شيئ آخر، وأعلن عن طريق محامى الكنيسة أنه كلف اللجنة القانونية بالكنيسة بإعداد صيغة دعوى قانونية يعتزم إقامتها أمام المحكمة الدستورية العليا،

وأعلن البابا شنودة إستعانته بمستشارين قانونيين مسلمين منهم الدكتور يحيي الجمل وسامح عاشور نقيب المحامين الأسبق، وقال عاشور فى تصريحات خاصة : إننا نتشاور ونبحث مع البابا الإجراءات القانونية لوقف الحكم وتحقيق العدالة القانونية للشرائع فإذا تعارض القانون مع الشريعة المسيحية يجب تعديل القانون وليس العكس

على أن الجدل إتسع ليشمل الكثير من معارضى البابا والذين أيدوا الحكم وطالبوا بضرورة التزام البابا به وتنفيذه وهم يمثلون المعارضة التقليدية من العلمانيين الأقباط وأعضاء المجلس المللى والمتضررين من المطلقين وكذلك فئات إسلامية عديدة إما شامته أو متربصة حيث أسرع محامى قضايا الحسبة "نبيه الوحش" الى إرسال إنذار علي يد محضر الى البابا يطالبه فيه بتنفيذ حكم المحكمة الإدارية العليا، الذي يلزمه بالتصريح للمطلقين بالزواج مرة أخري وإلا سيقع تحت طائلة القانون ومواجهة جريمة الامتناع عن تنفيذ حكم قضائي، وجاء في الإنذار: ينبه علي البابا شنودة الثالث بشخصه وصفته سرعة تنفيذ الأحكام الصادرة عن المحكمة الإدارية العليا في نهاية شهر مايو الماضي وجميع الأحكام الصادرة قبل ذلك وتسمح بالزواج الثاني للمطلقين الأرثوذكس، وذلك خلال 8 أيام من تاريخ وصول هذا الإنذار، طبقاً لما يوجبه نص المادة 123 من قانون العقوبات والمادة 72 من الدستور..ودخلت الجماعة الإسلامية على الخط بالقول إن موقف البابا يمثل «تحديا لحكم قضائي بات»، وتساءل أحد قيادييها «هل يجرؤ مسلم في بلد مسيحي على رفض قوانين الأغلبية وأحكام قضائها؟»، ناسيا أنه فى البلدان الأوروبية التى يقصدها والتي تطبق الدولة المدنية بمفهومها لا يستطيع قاضي أن يرغم الكنيسة الكاثوليكية بتزويج شخص تري الكنيسة أن ليس من حقه الزواج طبقاً لتعاليم الإنجيل.

إن محاولة الدخول فى هذه المنطقة الشائكة بين جمهور الأقباط وقيادتهم الدينية فى تقديرى هو عمل غير مبرأ والحكم هو محاولة من محكمة ذات اتجاه سلفى معروف (و موقف نفس قضاة هذه المحكمة من تولى المرأة للقضاء ليس ببعيد) أن توقظ فتنة يحاول العقلاء تجاوزها، فليس من المنطق محاولة فرض رؤية قانونية فى قضية من صلب إختصاص اللاهوت الدينى بحجة نصوص الدستور، وليتسع خيالنا لو أن محكمة مصرية أصدرت حكما يلزم المفتى أو شيخ الأزهر بإصدار فتوى تمنع تعدد الزوجات بدعاوى من الدستور أو وثيقة حقوق الإنسان التى وقعتها مصر أو أى حجج أخرى، فهل يمكن ان يسكت المسلمون أو يرضخوا لمثل هذا الحكم.

ليس الحل إذن فى التهليل لحكم المحكمة ومحاولة إظهار البابا والكنيسة بتحدى الدولة والخروج على القانون والدستور، والعمل على إثبات مخالفة البابا لصلب العقيدة المسيحية كما يحاول بعض السذج من العلمانيين الأقباط، لكن الحل يكمن فى العمل على اقامة الدولة المدنية والدعوة لإقرار الزواج المدنى والإعتراف به وتقنينه والعمل على خلق نظام يسمح بالزواج المدني تنظمه الدولة لا يفرق ما بين مسلمين و مسيحيين أو عزاب و مطلقين، وسرعة اصدار قانون موحد للاحوال الشخصية للمسيحيينوال الشخصية للمسيحيين .