Monday, January 10, 2011

ذكرى إنتفاضة الخبز..18 -19 يناير 1977



فى مثل هذه الأيام منذ 34 عاما هب الشعب المصرى عن بكرة أبيه منتفضا فيما عرف لدى الشعب المصرى بإنتفاضة الخبز وما أطلقه عليها السادات بإنتفاضة الحرامية، واليوم وبعد مرور كل هذه الفترة ما زالت تلك الإنتفاضة تلهم الثوريين فى مصر والمنطقة دروسا مهمة وتدعو للتأمل بعمق فى التركيبة الذاتية للشعب المصرى ومعرفة متى يثور وكيف.

ملخص لأحداث الإنتفاضة:

بينما كان الشعب المصرى الذى عانى كثيرا من تدهور أوضاعه الإقتصادية بعد حرب إكتوبر 73 ينتظر قرارات حكومية تخفف عنه هذه المعاناة وتحقق له وعد الرئيس بتحقيق الرخاء الإقتصادى الذى ردده فى الكثير من خطاباته وإمكانية ان يحلم كل شاب بتملك فيلا صغيرة وسيارة كما كان يردد، وبعد أكثر من 3 سنوات من الزيارة الميمونة للرئيس نيكسون والآمال العريضة التى بناها البسطاء على هذه الزيارة، إذا بنائب رئيس الوزراء للشئون المالية والإقتصادية الدكتور عبدالمنعم القيسونى فى بيان له أمام مجلس الشعب يوم 17/1/1977 يعلن فيه مجموعة من القرارات الإقتصادية الصادمة ومنها رفع الدعم عن مجموعة من السلع الأساسية وذلك برفع أسعار الخبز 50% والسكر25% والشاى 35% وكذلك الأرز والزيت والبنزين و25 سلعة أخرى من السلع التى لا يستطيع الفقراء العيش بدونها، لذا كانت الصدمة شديدة، وفى صبيحة اليوم التالى صدرت الصحف الثلاث تحمل تفاصيل القرارات الإقتصادية الأخيرة، لتبدأ نذر العاصفة تتجمع ثم ما تلبث أن تفجرت.

بدأت هذه الحركة العفوية بدون تنسيق أو تخطيط مسبق فى عدد من التجمعات العمالية الكبيرة فى منطقة حلوان بالقاهرة فى شركة مصر حلوان للغزل والنسيج والمصانع الحربية وفى مصانع الغزل والنسيج فى شبرا الخيمة وعمال شركة الترسانة البحرية فى منطقة المكس بالأسكندرية حيث بدأ العمال فى تجمعات صاخبة تعلن رفضها للقرارات الإقتصادية وتخرج الى الشوارع فى مظاهرات حاشدة تهتف ضد الجوع والفقر وبسقوط الحكومة والنظام رافعة شعارات تلقائية منها:

ياساكنين القصور الفقرا عايشين فى قبور

ياحاكمنا فى عابدين فين الحق وفين الدين

سيد مرعى يا سيد بيه كيلو اللحمة بقى بجنيه

عبد الناصر ياما قال خللوا بالكم م العمال

هو بيلبس آخر موضة واحنا بنسكن عشرة ف أوضة

بالطول بالعرض حنجيب ممدوح الأرض

لا اله الا الله السادات عدو الله

وغير ذلك من شعارات ارتفعت فى مظاهرات بطول مصر وعرضها واختلطت تظاهرات الطلاب التى خرجت من كل الجامعات المصرية بحشود العمال والموظفين والحرفيين وكافة فئات الشعب.

إستمرت مظاهرات الشوارع المصحوبة بالعنف الموجه ضد المصالح الحكومية وأقسام الشرطة ( الأزبكية والسيدة زينب والدرب الأحمر وقسم شرطة إمبابة والساحل وحتى مديرية أمن القاهرة)، وإستراحات الرئاسة بطول مصر من أسوان حتى مرسى مطروح ولم تسلم من الهجوم استراحة الرئيس بأسوان حيث كان يقيم وتقرر الغاء اجتماعه بكيسنجر فى نفس اليوم، ووصل الهجوم إلى بيت المحافظ بالمنصورة وتم نهب أثاثه وحرقه، ونزل الى الشارع عناصر اليسار بكافة أطيافه رافعين شعارات الحركة الطلابية، و استمرت هذه المظاهرات حتى وقت متأخر من الليل مع عنف شديد من قوات الأمن وتم القبض على مئات المتظاهرين وعشرات النشطاء اليساريين.

وفى صبيحة اليوم التالى خرجت الصحف الثلاث بعناوين عريضة متحدثة عن مؤامرة شيوعية لإحراق البلد وقلب نظام الحكم، واستمرت المظاهرات فى هذا اليوم بزخم أكبر وأكثر عنفا وتم الإعلان فى نشرة أخبار الثانية والنصف عن إلغاء القرارات الإقتصادية وفى الرابعة أمر السادات بنزول الجيش الى الشارع لقمع المظاهرات وأعلنت حالة الطوارئ وتقرر حظر التجول فى كل مصر من السادسة مساءا الى السادسة صباحا.

مصر والبنك الدولى

تعد مصر من الدول المؤسسة للبنك الدولى فى 1945 و نعرف دور هذا البنك فى تطبيق السياسة الإمبريالية تجاه الدول الفقيرة ولا ننسى دوره فى الضغط على نظام عبد الناصر ورفض تمويل بناء السد العالى ولكن مع بداية نظام السادات فى تطبيق برنامج الإنفتاح الإقتصادى فى 1974 فقد حدث تحول جذرى فى العلاقة مع البنك وأصبح البنك هو من يخطط لإعادة هيكلة الإقتصاد المصرى وتحويله من رأسمالية دولة الى نظام السوق الرأسمالى فيما عرف ببرنامج الإصلاح الإقتصادى وشكل البنك " المجموعة الإستشارية لمصر" من تكتل الدائنين ومانحى المساعدات وتم تعيين ممثل مقيم فى القاهرة للصندوق فيما يذكرنا بعهد الخديوى إسماعيل والذى انتهى بالإحتلال الإنجليزى.

وضع البنك الدولى روشتة للإصلاح الإقتصادى تمثلت فى النقاط التالية:

1- تفضيل الزراعة على الصناعة

2- تفضيل القطاع الخاص على القطاع العام

3- تفضيل النشاط التجارى والتوكيلات على النظام الصناعى الإنتاجى

4- تغليب قوى السوق عوضا عن التخطيط

5- تعديل قوانين الإستثمار لصالح رأس المال الأجنبى

6- تعديل قوانين الصادرات والواردات لفتح السوق امام المنتجات الأجنبية

7- السماح للبنوك الأجنبية بحرية النشاط فى مصر

8- ترشيد الإنفاق العام وخاصة المبلغ الموجه لدعم السلع الغذائية والإستعاضة بمنح علاوة اجتماعية للعاملين فى الدولة

9- تعويم الجنيه المصرى من خلال "توحيد سعر الصرف"

أدى التطبيق القسرى لهذه التوصيات الى ارتفاعات حادة فى الأسعار مع تحولات إجتماعية حادة طالت الطبقة الوسطى بمختلف شرائحها مما أحدث إحتقانا متزايدا وصل الى ذروته بقرارات رفع الأسعار وربط البيان الصادر ذلك بالإتفاق مع صندوق النقد الدولى والبنك الدولى لتدبير الموارد اللازمة لتغطية عجز الموازنة.

الخبرات والدروس

عندما نستعيد ذكرى انتفاضة يناير 77 فلابد أن نستخلص منها بعض العبر والدروس عسى الذكرى أن تنفع الداعين للتغيير، ويمكن تلخيص هذه الدروس من وجهة نظرى فيما يلى:

الدرس الأول:

كانت الطبقة العاملة المبادرة بالإنتفاض وخاصة فى المناطق الأكثر تنظيما وذات الخبرات النضالية، فقد سبق أحداث 77 عدد من الهبّات فى سنوات 75 و76 فى شبرا وحلوان والمحلة وكفرالدوار وغيرها، ورغم ان تلك الهبات كانت اقتصادية ونقابية بالأساس ولكنها جاءت على خلفية التحول الإقتصادى الى نظام راسمالى فردى مرتبط بالرأسمالية العالمية والإطاحة بالمكاسب المحدودة التى تحققت للطبقة العاملة فى نظام عبد الناصر، وهكذا يظل الرهان على الطبقة العاملة هو الفيصل لأى حركة ثورية حالية أو قادمة.

الدرس الثانى:

صاحب عملية التحول الإقتصادى بعد 73 ظهور و نمو طبقة رأسمالية طفيلية مرتبطة بالمراكز الإمبريالية العالمية فى الغرب وظهرت الحاجة الى مناخ تستطيع فيه هذه الطبقات الجديدة التعبير عن أفكارها، واستجاب النظام الى ذلك مبكرا بالإفراج عن الإخوان المسلمين واتاحة منابر المساجد لهم والسماح لهم بإصدار مجلة الدعوة وحقق بعض الحريات الصحفية النسبية مقارنة بالعهد الناصرى، وكان لقرار تحويل التنظيم الأوحد " الإتحاد الإشتراكى" الى منابر ثم أحزاب خطوة فى هذا الإطار، وكان لهذه العملية من جانب السادات مخاطرها التى كان من ضمنها وجود مجموعة من المعارضين الرديكاليين بمجلس الشعب من أمثال المستشارممتاز نصار وخالد محيي الدين والدكتور محمود القاضى والشيخ صلاح ابو اسماعيل وأبو العز الحريرى وغيرهم ممن ساهموا فى تحريك الحياة السياسية وإثرائها، كذلك لعب حزب التجمع اليسارى حديث النشأة دورا فى التمهيد لإنتفاضة يناير والمشاركة فيها ويشهد على ذلك عدد المقبوض عليهم منه فى الأحداث وقصة البرقية الشهيرة ومصادرة جريدته المتكرر وإقتحام مقره أكثر من مرة ، كذلك المشاركة الواسعة لليسار الراديكالى فى الأحداث وهو ما إتخذه السادات ذريعة لإظهار عداءه الكامن لليسار والشيوعيين وتسديد سهامه إليهم بتصريحه " إقتلوهم حيث ثقفتموهم" وتهديده " العيال بتوع إنتفاضة الحرامية دول أنا حعرف أربيهم".

الدرس الثالث:

أظهرت الإنتفاضة ضرورة وجود طليعة مسلحة بنظرية ثورية تربط بشكل علمى بين الإقتصادى والسياسى وتمتلك رؤية مستقبلية واضحة وعلى ارتباط بالحركة اليومية للجماهير، لقد نشأت فى بداية السبعينيات حركة شيوعية مصرية أثبتت وجودها بعد انقطاع لأكثر من 5 سنوات شارك فى ترأسها واحتلال قيادتها كوادر من شيوعيي الحلقة الثانية " الأربعينيات"(نذكر منهم أسماء ابراهيم فتحى وطاهر عبد الحكيم وزكى مراد ونبيل الهلالى وطاهر البدرى وجميعهم على رأس التنظيمات اليسارية الجديدة حاملين معهم أعراض الخلافات القديمة وعناصر الثأر وتصفية الحسابات)، واتهم كل فصيل الآخر بالخيانة والعمالة والتفريط، وحاول الجميع بدرجات متفاوته ركوب الحركة الطلابية فى الجامعات المصرية، وهذا ما ظل موجودا بدرجات متفاوته حتى الآن بالرغم من أفول نجم الحركة الشيوعية، لقد ساد الحلقة الثالثة من الحركة الشيوعية انحراف وقع فيه الجميع وذلك بالتركيز على القضية الوطنية على حساب القضايا الإجتماعية، والتركيز على الإنتشار بين طلبة الجامعات حيث النضال يبدو أسهل فى إطار مجلات الحائط وحلقات النقاش ولكنهم حتى لم يركزوا جهودهم للسيطرة على الإتحادات الطلابية والتى ركزت الجماعات الإسلامية للسيطرة عليها مما أتاح لها الإنتشار فى الشارع وبعد ذلك السيطرة على النقابات المهنية واكتفى اليساريون بالتحريض والنضال فى منتديات الفكر.

الدرس الرابع

تركزت إنتفاضة يناير فى المدن الرئيسية وغابت بشكل كبير فى الأطراف، مما يعنى يدل على تدنى الوعى السياسى فى الريف المصرى بغالبيته العظمى من الفلاحين والتى تعتبر تاريخيا رديفا للطبقة العاملة وعدم قدرة الحركة اليسارية فى الوصول الى فقراء الفلاحين وصغار الملاك مثلما حدث فى ثورة 1919حيث مثل الفلاحون وقود الثورة ودعامتها الأساسية، مما يلقى بتحدى حقيقى على أى حركة ثورية للوصول الى القطاع الأعظم من الفلاحين فى الريف المصرى

الحكم التاريخى

جاء الحكم التاريخى فى القضية رقم 100 لسنة 1977 والخاصة بمحاكمات المتهمين بإشعال الإنتفاضة على قدر عال من الموضوعية والجرأة وكانت حيثيات هذا الحكم بمثابة سيمفونية رائعة تتهم النظام بأنه المتسبب الرئيسى فيما حدث وتسخر بشدة مما قدمته النيابة من قرار إتهام بناءا على تحريات مغلوطة وعارية من الصحة، وجاء فى هذه الحيثيات تقريع شديد لجهاز الأمن الذى قدم كتبا ومجلات مما يباع فى الأسواق كأدلة إدانة، ناهيك عن الأخطاء الفادحة فى كشوف الأسماء لمتوفين ومهاجرين خارج الوطن، وذكرت الحيثيات نكتة "الشاهد الطائر" عقيد المباحث الذى شهد على الأحداث فى أكثر من منطقة فى نفس الوقت وكأنه من أهل الخطوة.

عشرات الأسئلة التى أجاب عليه هذا الحكم بشجاعة يحسد عليها ذلك القاضى الوطنى المستشار " حكيم منير صليب " ومساعديه عضوى المحكمة القاضيان "أحمد محمد بيكار" و"على عبد الحكيم عمارة" ويمكن لمن أراد الإطلاع على الحكم كاملا على الرابط التالى:

http://wwwentisarblogspotcom.blogspot.com/2010/12/18-19-1977.html

يبقى فى النهاية أن انتفاضة الشعب المصرى العظيمة فى يناير 1977 ستظل دروسها معينا لا ينضب لكل الوطنيين المصريين لكى نتعلم منها ونستعيد قراءتها وستبقى دليلا على قدرة هذا الشعب على صنع الأحداث الهائلة والتى قد تكون مفاجئة حتى لمن يتصورون أنهم طليعته

وأخيرا فإن الدرس الأهم للإنتفاضة هو ضرورة بناء منظمة ثورية قادرة على قيادة الجماهير فى أصعب اللحظات التاريخية القادمة، والا فلا تلوموا الاّ أنفسكم. والسلام عليكم.