الذى أقصده من هذا العنوان أننى لن أتعرض فى هذا المقال لمشروعية الحجاب من الناحية الدينية, والجدال الدائر بين الأزهريين والدعاة الجدد من ناحية وبعض المجددين من الرافضين لحجاب النساء, بل سأكتفى بتحليل الظاهرة من جوانبها السياسية والإجتماعية والتاريخية, إكتفاءا بتصفح التاريخ الحديث, مع التركيز على خصوص التجربة المصرية , حيث أن مصر فى الغالب القاطرة التى تجر باقى الأقطار العربية خلفها, مثلما بدأت فى مصر الحركة الليبرالية, وحركةوالإخوان, والحركة الشيوعية لتنشأ لها فروعا فى باقى الدول العربية, ولكن هذه قصة أخرى.
لقد إستمرت معظم الشعوب العربية والإسلامية تجبر النساء فى الأغلب على التحجب والمكوث فى البيت, أذكر فى طفولتى أن الآباء فى ريف مصركانوا يرغمون بناتهم على المكوث فى البيت بمجرد أن تظهر عليهم علامات الأنوثة, لا يخرجن إلا إلى بيوت بعولتهن, وكانوا يطلقون علي ذلك "إحتجاب البنات", أذكر أن أختى الكبرى احتجبت فى البيت وهى فى الرابعة الإبتدائية, رغم تفوقها الدراسى وبكاؤها, عموما كان هذا فى الأغلب بين الطبقة المستورة من الفلاحين, بينما الفقراء لم يكن يملكون هذا الترف حيث كانت المرأة تعمل يدا بيد مع الرجل فى الحقل بدون حجاب.
ومع دخول الأتراك, وحكمهم مصر كولاية عثمانية, فرض على نسائها إرتداء البرقع واليشمك,وأنشأت أماكن سكنى مخصصة للنساء (الحرملك), وتنوعت أغطية الرأس والوجه حسب البيئة من الطرحة والشال والبيشة والملاية وغيرها, وإستمر الحال لفترة طويلة على نفس الوتيرة, الى أن جاءت الحملة الفرنسية الى مصر لتلقى حجرا فى الماء الراكد, وتتفتح عيون المصريين على ثقافة أخرى, ويتعلمون التمرد على قاهريهم, ليخلعوا الوالى التركى, ويأتون بمحمد على باشا واليا, فيحدث ثورة حقيقية فى كافة المجالات, ويرسل البعثات إلى فرنسا وغيرها من الدول, ليعود الدارسون بأفكار عصرية جديدة عن الحرية والمساواة, وينشأ رفاعة الطهطاوى مدرسة الألسن, ويطالب بتعليم الفتيات.
وفى نهايات القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين بدأت حركة التنوير تحدث أثرها فى مصر, مطالبة بحرية المرأة, وإخراجها من القمقم الذى وضعت فيه لقرون طويلة, وخرجت أقلام مستنيرة تحاول تحطيم أسوار التخلف, ساعد عليها وقادها الإمام العظيم "محمد عبده", وشارك فيها كتاّب ومفكرون وأصحاب أقلام عديدين منهم"مرقص فهمى المحامى" وكتابه" المرأة فى الشرق"و " قاسم بك أمين" وكتابيه"تحرير المرأة" و"المرأة الجديدة".
كتاب المرأة في الشرق تأليف مرقص فهمي المحامي ، دعا فيه إلى السفور وإعطاء النساء حريتهن.
كتاب تحرير المرأة تأليف قاسم أمين ، نشره عام 1899م ، بدعم من الشيخ محمد عبده وسعد زغلول ، وأحمد لطفي السيد . ذكر أن حجاب المرأة السائد ليس من الإسلام ، وقال إن الدعوة إلى السفور ليست خروجاً على الدين .
كتاب : المرأة الجديدة تأليف قاسم أمين أيضاً - نشره عام 1900م يتضمن نفس أفكار الكتاب الأول ويستدل على أقواله وادعاءاته بآراء أكثر توسعا.
لقد شهد الربع الأول من القرن العشرين نهضة فكرية عظيمة, قادها مفكرون وسياسيون كبار على رأسهم الإمام محمد عبدة تلميذ جمال الدين الأفغانى الذى ساهم بشكل كبير فى إستنهاض الأفكار الوطنية فى الشرق ومهد للثورة العرابية , وشارك فى هذه النهضة أسماء كبيرة شاركوا بآرائهم وأفعالهم فى صنع التاريخ المصرى الحديث مثل سعد زغلول وطه حسين ولطفى السيد وعلى عبد الرازق وعباس العقاد وسلامة موسى ومصطفى عبد الرازق وأحمد أمين وأمين الخولى وغيرهم كثيرون.
وفى الجانب النسائى لعبت الكثيرات الدور الأكثر إثارة فى قضية أساسها ومحورها المرأة وأشهرهن على الإطلاق "هدى شعراوى" صاحبة المواقف المشهورة فى الحركة الوطنية ومعركة السفور والحجاب, وذلك اشتراك النساء بقيادة هدى شعراوي ( زوجة علي شعراوي ) في ثورة سنة 1919م فقد دخلن غمار الثورة بأنفسهن ، وبدأت حركتهن السياسية بالمظاهرة التي قمن بها في صباح يوم 20 مارس سنة 1919م،والتى بادرت فيها هدى شعراوى بخلع اليشمك فتخلعه الأخريات .
وقد كان للزعيم سعد زغلول الدور الأبرز فى هذه المعركة عندما دعا النساء اللواتي تحضرن خطبته أن يزحن النقاب عن وجوههن . وهو الذي نزع الحجاب عن وجه نور الهدى محمد سلطان التي اشتهرت باسم : هدى شعراوي وذلك عند استقباله في الإسكندرية بعد عودته من المنفى . واتبعتها النساء فنزعن الحجاب بعد ذلك.
كما لعبت نساء كثيرات أدوارا مهمة فى هذه القضية على رأسهن السيدة "صفية زغلول" زوجة سعد زغلول وابنة مصطفى فهمي باشا رئيس الوزراء في تلك الأيام, • وسيزا نبراوي ( واسمها الأصلي زينب محمد مراد ) ، وهي صديقة هدى شعراوي في المؤتمرات الدولية والداخلية . وهن أول من نزع الحجاب في مصر بعد عودتهما من الغرب إثر حضور مؤتمر الاتحاد النسائي الدولي الذي عقد في روما 1923, و"درية شفيق" تلميذة لطفى السيد أستاذ الجيل الذى قاد حملة كبيرة على صفحات "الجريدة" لسان حال حزب الأمة المصرى للدفاع عن حرية المرأة, وهى التى أسست حزب "بنت النيل"عام 1949, كذلك لا ننسى أدوار ملك حفنى ناصف ونبوية موسى وسهير القلماوى وعائشة عبد الرحمن" بنت الشاطئ" ونعمات أحمد فؤاد والقائمة طويلة من المناضلات من أجل تحرير المرأة.
وأستمرت حركة تحرير المرأة فى صعود خلال القرن العشرين بالرغم مما واجهها من مشاكل وعقبات , , فظهرت الى الوجود فى سنوات الحرب العالمية الأولى (1914- 1918) مجلة إسمها "السفور" تخصصت فى الدعوة الى السفور والرد على منتقديه وفى عام 1928 نشرت الكاتبة "نظيرة سيف الدين" كتابها "السفور والحجاب" الذى أثار سجالا طويلا في المجتمع حين ذاك , بين أنصار التقدّم وأعدائه , وأنصار المرأة وأعدائها.
وإستمرت الحركة الوطنية المصرية فى صراعها من أجل الجلاء, مستقطبة فى معركتها جميع القوى والتيارات السياسية من اليسار واليمين, مع دور متميز للقوى الراديكالية فى النضال الوطنى, وتوارت معركة السفور والحجاب فى خلفية المشهد, مع مشاركة فعاّلة للنساء فى الحركة, وخصوصا الأحزاب والمنظمات اليسارية التى أفرزت مجموعة من المناضلات اليساريات أمثال الدكتورة لطيفة الزيات وإنجى أفلاطون ونوال السعداوى وأخريات كثيرات.
وبعد قيام ثورة يوليو فى مصر وصراعها المتفجر مع جميع القوى السياسية المصرية من الإخوان والشيوعيين والأحزاب, وخوضها معركة التحرير والبناء, وبناء التنظيم السياسى الأوحد, وتبنيها لمجانية التعليم فى جميع مراحله, مما أتاح للمرأة مشاركة أكبر فى كافة المجالات العلمية والإجتماعية, ودفعها لتولى أدوارا ووظائف هامة وفعالة بما فى ذلك منصب وزيرة, مع تأكيد لمبدأ المساواة بين الجنسين, والنص عليها فى كثير من الوثائق وأهمها الميثاق.
وبهزيمة 1967 حدثت تحولات عميقة فى الواقع المصرى والعربى وإعتبرها الكثيرون هزيمة للتيار القومى والتجربة الناصرية بكل ما حملته من أفكار وممارسات, مع إنتعاش للدعاية الدينية التى تصور الهزيمة بسبب البعد عن الإيمان وتقوى الله.
وجاء نظام السادات ليوجه ضربة قوية للتجربة الناصرية, مع دعمه الواضح للتيار الإسلامى لمواجهة الحركات اليسارية والناصرية, تزامن ذلك مع إرتدائه لعباءة الدين وتسمية نفسه بالرئيس المؤمن, ودعوته للعودة الى الماضى وما أسماه بأخلاق القرية, وإستخدامه لآيات قرآنية فى خطبه, مع تسبيلة العينين وبروز علامة الصلاة.
ومع إطلاق سراح الإخوان وتمكينهم من الخطابة على المنابر، والسماح لجريدتهم "الدعوة" بالصدور العلنى, إنطلقت صيحات الهجوم على عبد الناصر, والدعوة لحجاب النساء والهجوم على المتبرجات, مع إستقطابهم لقطاع عريض من الجماهير, وإنتشار الكتب والمطبوعات الدينية وكتب التراث,والكتابات الكثيرة عن محنة الإخوان فى السجون الناصرية, والدعوة لعودة المرأة الى المنزل لتنشأة أولادها, وبدأ الحجاب واللحى فى الإنتشار تدريجيا.
وفى الجامعات المصرية بدأت القوى الإسلامية فى تنظيم قواها تدريجيا بداية من نظام الأسر والجوالة والجماعة الدينية لتعيد تنظيم صفوفها بإسم "الجماعة الإسلامية" فى مختلف الجامعات المصرية, وإنتشرت دعوة مشايخ الإخوان لإلقاء خطبهم فى الجامعات, وتمت سيطرتهم على الإتحادات الطلابية, ورفعت دعوات الفصل بين الجنسين والدعوة الى الحجاب, كل ذلك تحت سمع ومباركة عناصر فاعلة فى النظام من أمثال محمد عثمان إسماعيل محافظ أسيوط وعيسى شاهين بالإسكندرية.
وبإنجاز السادات لحرب إكتوبر هزم الشعار الذى ركزت عليه قوى اليسار وخاصة فى صفوف الطلآب وهو شعار الحرب مع إسرائيل وتحرير التراب الوطنى مما أدى الى سحب البساط من تحت أقدام اليسار, بالإضافة الى سلسلة من الأخطاء اليسارية الطفولية ليس هذا مجال مناقشتها.
وبإنسحاب اليسار من الجامعة إكتملت سيطرة الجماعة الإسلامية عليها, وإنقسمت الجماعة الى تياريين, أحدهما معتدل إنضم الى جماعة الإخوان من أمثال العريان والزعفرانى وأبو الفتوح, وتيار متطرف آخر طرح أفكار تكفير السلطة والمجتمع, وإتخذ العنف فى مواجهتها, وما حادث الفنية العسكرية فى 1974 إلا إرهاصة مبكرة لإنخراط هذه الجماعات فى العنف المسلح.
ولم تهتم جماعة الإخوان كثيرا فى بداياتها بقضية الحجاب, ولم تكن تشدد عليه أو تتمسك به, أذكر أنه فى سنوات الشباب الأولى كان يسكن بالقرب منا الشيخ "أحمد حسن الباقورى" أحد القيادات البارزة فى الحركة, لم تكن بناته محجبات, كذلك القيادية البارزة "زينب الغزالى" لم تتحجب الا على كبر, مما يدل أن الحجاب ليس هما إسلاميا, ولكنه أريد له بشكل مخطط أن يكون رمزا دينيا.
وقد إرتبطت مرحلة السبعينيات من القرن الماضى (فترة حكم السادات) بتوترات كثيرة, وأحداث دراماتيكية, فمن القضاء على مجموعة عبد الناصر فى الحكم, فيما عرف بمراكز القوى, إلى أحداث الفتنة الطائفية فى الزاوية الحمراء والخانكة, الى إنتشار المنظمات الجهادية المسلحة وقيامها بمواجهة السلطة وإغتيال رموزها لتنتهى بإغتيال السادات نفسه, وواكب هذه الفترة أيضا حرب اكتوبر, والإنفتاح الإقتصادى, وحل الحراسات, ونمو الرأسمالية الطفيلية, وزيارة القدس, ومعاهدة السلام المصرية الإسرائيلية, وأحداث أخرى كثيرة.
كما كان للإرتفاع الكبير لأسعار البترول بعد حرب 73 آثار كبيرة فى نمو ثأثير النموذج الخليجى والفكر الوهابى ثقافيا فى المنطقة, تواكب هذا مع تدفق للعمالة المصرية خاصة غير المدربة الى دول الخليج, لتعود بأفكار صحراوية متزمتة, لتشمل الى جانب الزى, سلوكيات كثيرة منها عدم مصافحة النساء, وإستبدال سبوع المولود بالعقيقة, وإلغاء الإحتفال بأعياد الميلاد, وأشياء أخرى عديدة, منبثقة فى معظمها من الفكر الوهابى.
كان "محمد بن عبد الوهاب" النجدى السلفى (1703- 1787) والمنتسب إلى المذهب الحنبلى وعلى الشيخ إبن تيمية وتلميذه إبن القيم , قد تحالف مع الأمير محمد بن سعود بالدرعية فى المنطقة الشرقية تحت شعار (الدم ..الدم..الهدم ..الهدم), ويعد ابن عبد الوهاب أهم من انتقل بالتجديد الإسلامي ، في العصر الحديث ، من إطار التجديد الفردي والمشروع الفكري إلى إطار " الدعوة " التي اتخذت لها " دولة " تحميها وتقاتل في سبيل نشرها ، الأمر الذي جعل لدعوته من التأثير والاستمرارية ما لم تحظ بهما دعوات تجديدية أخرى ربما كانت أرسخ منها قدماً في فكر التجديد, هذا التحالف بين الدين والسلطة هو ما صبغ الحكم فى السعودية بهذا الإطار المتزمت, والمستمر حتى الآن, من الزى الذى لا يسمح للمرأة الاّ بثقبين للعينين, ولا يسمح بأى نوع من الإختلاط, ويسمح بتسير جماعات سلفية فى الشوارع والأسواق لضبط المخالفين ومعاقبتهم, بإسم ( الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر).
فى تلك الأثناء كانت الحرب الأفغانية مشتعلة, مشكّلة فرصة ذهبية للإسلاميين للدعاية والتنظيم والتدريب والتمويل, وعقدت هدنة بين التنظيمات المسلحة والحكومات الرجعية التى سهلّت ومولّت الدعاية المكثفة للجهاد والحرب المقدسة فى وسائل الإعلام والمساجد, مستدرة عواطف البسطاء, واعدين الشباب المسلم بالفوز بالجنة والحور العين, فى إطار الحلف الأمريكى الذى وفّر من جهته عناصر المخابرات لتقوم بالتدريب والتسليح وتقديم العون اللوجستى.
وكان لإنتصار الثورة الإيرانية(1979) وعودة الخومينى وإعلان الجمهورية الإسلامية فى إيران, وقعا مدويا فى المنطقة بأكملها, معطيا زخما مضاعفا للتيارات الإسلامية بكل ألوانها وطيوفها, لتصب الزيت على نيران التطرف, ملحقة أضرارا مضاعفة بحرية المرأة وحقها فى إختيار إسلوب حياتها, بعد أن فرضت السطات الجديدة زى "الشادور" على النساء, لتبدو المرأة كخيمة متنقلة, وشددت من قبضة مخابراته "الباسيك" على المجتمع.
وحاولت الجماعات الإسلامية إبّان عنفوانها أن تفرض مفاهيمها للدين على المجتمع, ففى الجامعات كانت تفرض نظام الفصل بين الجنسين فى المدرجات والرحلات, ومنع الإختلاط بالقوة, وتوقف الدراسة فى مواعيد الصلاة, مع التضييق على غير المحجبات, والتدخل فى أنواع الأطعمة بالسكن الجامعي الداخلي, وإغلاق العديد من الكافيتريات بإعتبارها بؤرا للفساد, مع فرض هذه الرؤية حتى على الأساتذة, مع منع النشاط الفنى والترويحى بالقوة, وفتح المجال فقط للدعاة الإسلاميين من داخل الجامعة وخارجها.
وجاء الإنهيار السريع والمدوى للمعسكر الإشتراكى ليعطى مساحة أكبر للتيارات السلفية للتمدد فيها, وللشماتة ليس فى الشيوعيين فقط ولكن فى التيارات اليسارية والليبرالية والعلمانية والقومية, وليضعف من الصوت اليسارى المناصر لحرية المرأة وحقها فى إختيار أسلوب حياتها.
ومع إنتصار المعسكر الرأسمالى وفرض نظام العولمة والقطبية الواحدة, حدثت حالة من الإرتداد الى الداخل للمجتمعات الإسلامية, وحاولت هذه المجتمعات التمسك بجذورها حفاظا على طابعها, وإظهار هويتها الإسلامية ممثلة فى الحجاب, والعودة الى التراث المتزمت للأشاعرة, والدعوة الى عودة المرأة للمنزل .
وكان لأحداث الحادى عشر من سبتمبر وما تلاها من غزو أفغانستان, وما تلا ذلك من تفجيرات مدريد ولندن, وظهور حالة الفوبيا فى المجتمعات الغربية من الإسلام, والصعود القوي لليمين الفرنسي متمثلاً بجان ماري لوبان ,وكذلك اليمين النمساوي وغيره ,وانتصار المحافظين الجدد في أميركا , والحركات الأصولية الإسلامية ,وكلها تعتمد برنامجاً واحداً ,يقول باستحالة التعايش وحب العنف وطبعاً اضطهاد المرأة. وظهور دعوات متطرفة فى الغرب معادية للإسلام والمسلمين, أثرا ضخما على تخندق المجتمعات الإسلامية على الضفة الأخرى مدافعة عن هويتها وثقافتها بما تجلى واضحا بمزيد من إرتداء المسلمات للحجاب.
وأدى إحتلال العراق, إلى حالة من الفوضى فى المنطقة, وتداعى للمجموعات الإسلامية العنفية ذات التوجه السنى (وعلى رأسها القاعدة) للتوجه الى العراق لمحاربة الأمريكان والشيعة (الرافضة), وتحول الجهاد الى فوضى ومجازر, ليروح ضحيتها عشرات الألوف من المدنيين, ولتفرض الجماعات المسلحة إرتداء الحجاب بالقوة وأحيانا بالقتل.
وكخلفية ثقافية حول ظاهرة انتشار الحجاب فإننى أرى بالإضافة لكل ما سبق أن لهذه الظاهرة سببان, أحدهما دينى- ثقافى والآخر إجتماعى, واوجزهما على النحو التالى:
(أولا) الجانب الدينى:
1- إنتشار الأفكار الدينية وتحولها الى ثقافة للمجتمع, بدلا من كونها فكرا يخص المنتمين الى جماعات بعينها, وتحول هذه الأفكار الى ممارسات داخل النسيج الإجتماعى نفسه.
2- إنتشار المدارس الأزهرية خاصة فى الريف والمناطق الفقيرة, مع نوعية مناهج دراسية أقل ما يقال فيها أنها منغلقة, مع مناهج تعليمية لا تسمح الآ بتخرج أنصاف متعلمين، وكما يقال فى الغرب Little knowledge is dangerous وتسهيلها قبول الطلاب بمجموع أقل من المدارس الأميرية.
3- دور الدعاة الدينيين والدعاة الجدد وهيئات الفتوى فى التغليظ من مخالفة الحجاب, وإنتشار الملصقات والكتيبات الدينية من عينة "الحجاب قبل الحساب"، والطريقة الخشنة والفجة من بعض النساء خاصة فى عربات الحريم فى المترو، وحتى على البلاجات فى الصيف.
4- المزايدات السياسية والدينية لحسابات حزبية وشخصية، وعملية التحريض الجماهيرى لإرهاب الخصوم, مثال ذلك إتحاد أعضاء مجلس الشعب من الوطنى والإخوان فى مواجهة "فاروق حسنى" وزير الثقافة لقوله أن الحجاب يعد ردة للخلف , أو تصريح رئيس جامعة الأزهر أن (الفتاة غير المتحجبة خارجة على الدين)، أو المزايدة على الإمام الكبر فى نقده للنقاب.
(ثانيا) الجانب الإجتماعى:
1- الفقر: تلعب الظروف الإجتماعية دورا رئيسيا فى تحديد ملبس المرأة ونوع مكياجها, والفتاة الفقيرة عادة التى لاتملك النقود الكافية لشراء الملابس او الميكياج, تميل غالبا لإرتداء الحجاب, وما صورة الفتاة الفقيرة القادمة من الريف فى السبعينيات لتدرس فى كلية الطب أو إبنة البواب فى الجامعة وهى ترتدى الحجاب ببعيدة.
2- قد يعود الحجاب على البعض ببعض المكاسب الإجتماعية, كإرتفاع فرص الزواج, او التوظف, أو التربح المالى، أو التحيز فى لجان الامتحان الشفهية وخلافه.
3- أحيانا يرغم الأب فى المجتمع الذكورى أبنته أو زوجته على إرتداء الحجاب, إما عن تدين أو رغبة فى الامتلاك, أو لفائدة دنيوية, وأعتقد ان ذلك الرجل الذى يرغم زوجته على إرتداء الحجاب فإن ذلك بمثابة تأميم لها.
4- ممكن ان يعتبره البعض نوع من الوقاية من الفوضى الضاربة فى الشارع المصرى, وإنتشار ظاهرة التحرش بالنساء, ومن الأسف أن ظاهرة التحرش تزداد إنتشارا كلما إنتشرت ظاهرة الحجاب والنقاب, وهذا ما ينفى إدعاء الإسلامويين أن سبب التحرش هو ملابس النساء المثيرة للغرائز, بينما فى عز أيام السفور والمينى جيب والبكينى, كان التحرش بالنساء إستثنائيا فى المجتمع.
وأختم بكلمات للمفكر "محمد عابد الأنصارى" حيث يقول ( إن الحجاب فى حد ذاته خارج النطاق الرمزى لن يؤدى دور الفاعل فى المجتمعات الإسلامية المعاصرة).
.