2- صالح سرية: قائد محاولة الإنقلاب على السادات
هو صالح عبدالله سرية الفلسطينى الأردنى الجنسية، ولد فى حيفا بفلسطين فى وأكمل دراسته الإبتدائية بها وشهد وهو طفلا نكبة 1948 وهجرة الأسرة الأولى الى العراق، وأكمل دراسته الثانوية بها، وانتمى هناك لجماعة الإخوان المسلمين قبل إلتحاقه بكلية الشريعة جامعة بغداد، وكان من العناصر النشطة فى الجماعة، ثم أسس ما يعرف ب"جبهة التحرير الفلسطينية" قبل قيام ثورة 1958 على النظام الهاشمى بقيادة عبد الكريم قاسم، وبعد حدوث خلاف بين قاسم والإخوان عاد الى العمل السرى وقام بعدة عمليات ضد اليهود العراقيين حتى قبض عليه بواسطة النظام العراقى فى عام 1965 ابان ضرب حركة سيد قطب فى مصر، وبعد الإفراج عنه حصل على ماجستير فى الشريعة، ولم يعرف له نشاط سياسى حتى حدوث هزيمة 1967 ، بعدها عاد صالح سرية الى نشاطه الفدائى وانضم لحركة فتح وانتخب عضوا بالمجلس الوطنى الفلسطينى وشارك فى اجتماع المجلس عام 1968 فى القاهرة.
اتهم صالح سرية بالمشاركة فى محاولة انقلاب على حكومة "أحمد حسن البكر" فهرب الى سوريا، وهناك تقدم الى السفارة المصرية فى دمشق بطلب اللجوء السياسى الى مصر ولكن طلبه رفض، بعدها انتقل للاقامة فى الأردن، وارتبط بحزب التحرير الفلسطينى ذو الأفكارالسلفية المتطرفة الذى أسسه الفلسطينى "تقى الدين النبهانى" عام 1950، وهو خال صالح سرية ، ثم جاء الى مصر عام 1970 والتحق بكلية التربية جامعة عين شمس لدراسة الدكتوراه، وبعد حصوله عليها عمل بمنظمة "الأونيسكو" (منظمة التربية والثقافة والعلوم) التابعة لجامعة الدول العربية.
لم يضيّع صالح سرية حال وصوله الى القاهرة أى وقت, فاتجه مباشرة الى منزل السيدة زينب الغزالى، والتى كان قد تعرف عليها فى زيارة سابقة الى القاهرة عن طريق طليقها الشيخ "حافظ التيجانى" ونزل ضيفا عليها هو وأسرته المكونة من زوجته وتسعة من الأبناء، ولعبت السيدة زينب الغزالى دورا أساسيا فى تقديمه الى المرشد العام المستشار "حسن الهضيبى" وتعريفه بمجموعات الشباب الجديد ومنهم "طلال الأنصارى" و"اسماعيل طنطاوى"و"يحيى هاشم" .
سرعان ما أدرك صالح سرية أن الاخوان المسلمين فى مصر غير راغبين أو قادرين على المواجهه مع النظام، وذلك بعد لقائه ببعض قادتهم وعلى رأسهم المرشد العام، ومع كثير من القيادات أمثال الشيخين محمد الغزالى والسيد سابق.
ويمكن التماس العذر لهؤلاء القادة الذين كان يهمهم فى الأساس الأول بقاء الدعوة واستمرارها، وحماية أعضائها، وهم ليسوا بعيدين من محنة قاسية ألمت بهم فى العام 1965، وما زالوا يرممون نتائجها، ويضمدون جراحها.
كما وجد قادة المجموعات الشبابية مشتتي الحركة، ومشوشى الرؤية، فمنهم من كان اتجاهه سلفيا مثل "اسماعيل طنطاوى" ومنهم من يرفض فكرة الانقلاب العسكرى ويدعو الى حرب عصابات طويلة الأجل مثل "يحيى هاشم"" (وهو وكيل نيابة بدأ نشاطه السياسي عام 1968 بقيادة مظاهرة من مسجد الحسين بالقاهرة بسبب هزيمة يونيو 1967 ، وقد شكل يحي هاشم تنظيما بلغ أفراده حوالي ثلاثمائة فردا معظمهم من الإسكندرية، وحاول بعد فشل عملية الفنية العسكرية و القبض على أعضائها القيام بعملية مغامرة لتهريبهم، ولكن خطته انكشفت فهرب الى الصعيد وتمت تصفيته هناك بواسطة قوات الأمن).
توجه سرّية مباشرة الى الشباب المتدين المتحمس ليكون منهم تنظيمه، وقد كان له تأثير قوى على كل من يلتقى به، يقول عنه" أيمن الظواهرى" فى كتابه"فرسان تحت راية النبى":
ان صالح سرية كان محدثاً جذاباً ومثقفاً على درجة عالية من الاطلاع والمعرفة، وكان حاصلاً على درجة الدكتوراه في التربية من جامعة عين شمس، كما كان متضلعاً في عدد من العلوم الشرعية، وانه التقاه مرة واحدة أثناء احد المعسكرات الاسلامية في كلية الطب حين دعاه أحد المشاركين في المعسكر الى القاء كلمة في الشباب. و«بمجرد استماعي لكلمة هذا الزائر أدركت ان لكلامه وقعاً آخر، وانه يحمل معاني اوسع في وجوب نصرة الاسلام، وقررت ان أسعى للقاء هذا الزائر، ولكن كل محاولاتي للقائه لم تفلح».
كما يقول عنه" طلال الأنصارى" فى كتابه"صفحات مجهولة من تاريخ الحركة الاسلامية المعاصرة":
((كان صالح سرية شخصية كاريزمية، لا يملك من يقابله فكاكا من أن ينبهر به..خلقه..شخصيته..علمه..قدرته الفائقة على الاقناع بأبسط الطرق وأيسرها، وقدرته على صياغة أعقد القضايا وعرضها فى كلمات بسيطة وموجزة))
نجح سرّية فى تكوين تنظيم واسع ومتنوع جغرافيا من مجموعة متحمسة من الشباب، قسمهم الى مجموعات صغيرة على رأس مجموعة الإسكندرية"كامل عبد القادر(طب) وطلال الأنصاري(هندسة)، ومجموعة "بور سعيد"بقيادة أحمد صالح، ومجموعة" القاهرة والجيزة" وعلى رأسها حسن الهلاوى ومصطفى يسرى، ومجموعة" قنا" بقيادة محمد شاكر الشريف، وأبقى مجموعة "الفنية العسكرية" بقيادة كارم الأناضولي وباقي الكليات العسكرية تحت قيادته المباشرة.
وأمام ضغط الشباب المتحمس المتكرر والمستمر على سرعة للتحرك، إضطر للتسرع بوضع الخطة الأولى لمحاولة اغتيال الرئيس السادات وكبار قياداته بالمطار عند عودته من زيارة خارجية ليوغوسلافيا، وكلف مجموعة القاهرة والجيزة بقيادة "حسن الهلاوى" برسم خريطة تفصيلية للمطار، ولكن لعدم قيام المجموعة بما كلفت به تم إلغاء الخطة.
بعدها تم تكليفه مجموعة الإسكندرية بإعداد رسم كروكى عن مكانين محتملين للهجوم الأول مجلس الشعب والثانى مبنى الاتحاد الاشتراكى على "كورنيش النيل"، وحضرت مجموعة من ستة أفراد من الأسكندرية منهم محمد على خليفة وهانى الفرانونى وأنجزوا المطلوب.
تم وضع الخطة البديلة بواسطة سرّية وكارم الأناضولي، وتعتمد على الاستيلاء على الكلية الفنية العسكرية بمهاجمة حرس بوابة الكلية في صمت لادخال عدد كبير من الشباب الى الكلية، ثم بعد ذلك الاستيلاء على الأسلحة والسيارات والمدرعات من الكلية الفنية العسكرية بمساعدة اخوانهم الطلبة داخل الكلية مستغلين صلاحياتهم كقادة مناوبين أثناء الليل، يتم التوجه بما حصلوا عليه الى مقر الاتحاد الاشتراكي لمهاجمة السادات وأركان حكمه أثناء عقد اجتماعهم.
وكبروفة للأحداث طلب سرّية من مجموعة الأسكندرية الحضور الى القاهرة، والتوجه إلى موقع العملية قبل بدء التحرك بيوم واحد وبعد حضورهم طلب منهم العودة والحضور في اليوم التالي.
وأعد صالح سرية بيان الانقلاب بخط يده، واعترف بذلك أثناء محاكمته وأعاد كتابته من الذاكرة أثناء المحاكمة بطلب من القاضى على الشكل التالى:
بسم الله الرحمن الرحيم
قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتزل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير
أيها الشعب الحبيب – أيتها الأمة المجاهدة الصابرة لقد نجحنا والحمد لله صباح اليوم في السيطرة على الحكم واعتقال جميع المسئولين عن النظام السابق وبدأ عهد جديد . ونحن لمن قليل الوعود لكم لكننا نعلم أن النظام الجديد سيقوم على المبادئ التالية :
1- ستقوم مبادئ الدولة على أسس جديدة لا لبس فيها ولا تناقض .
2- سوف لا تكون الثورة مقتصرة على الجوانب السياسية وإنما ستشمل جميع نواحي الحياة الاقتصادية والثقافية والتعليمية والوظيفية والاجتماعية وغيرها .
3-سوف تهتم الدولة اهتماماً حقيقياً بالإيمان والأخلاق والفضيلة .
4- سوف تعتزم الدولة في كل سياستها مصلحة الأمة أولاً ثم الاتفاقات .
5- ستعمل الدولة جاهدة على تحرير كل الأجزاء السليبة من وطننا وعلى مساعدة المحرومين والمظلومين في كل مكان وسنقاوم الاستعمار بجميع أشكاله في العالم .
6-ستعمل الدولة جاهدة لقيام الوحدة بكل الطرق دون الاكتفاء بالادعاءات اللفظية .
7- ستقوم الدولة بكل جهدها برفع التنمية من أجل رفع مستوى السكان .
8- سوف نطبق الحرية للمجتمع ليقول كل ما يريد ونعد كل أجهزة الدولة بعيداً عن الكذب والافتراء والبهتان.
9- سنعيد تقييم كل المبادئ والأشخاص والوظائف على أسس جديدة.
10- سوف تحيي الدولة مبادئ العدل المشهورة في تراثنا .
والله الموفق
رئيس الجمهورية
د/صالح سريه
25ربيع الأول 1394ه
18 ابريل 1974
ومع بداية التحرك تسلل اثنين من التنظيم, أحدهما توجه إلى وزارة الداخلية والثاني إلى رئاسة الجمهورية، وقاما بالإبلاغ عن الخطة، وبعد مرور وقت طويل من الأجهزة من عدم التصديق والتحقيق معهم، توجهت قوة صغيرة من الأمن المركزي إلى كلية الفنية العسكرية، ليتم إجهاض الهجوم في بدايته، ويتم القبض على قياداته، وعلى رأسهم صالح سرية وكارم الأناضولى وطلال الأنصارى الذين حكم على ثلاثتهم بالإعدام، الا أن طلال الانصارى خففت عليه العقوبة الى المؤبد نتيجة محاولات الإستعطاف التى قام بها والده الشاعر عبد المنعم الإنصارى، بينما رفض كل من صالح سرية وكارم الأناضولى تقديم اى التماسات للعفو عنهم، وفي الزيارة الأخيرة قبل الاعدام جاءت زوجة صالح سرية ومعها أولادها التسعة لزيارته في السجن، فقال لها: اذا تقدمت بطلب للعفو فأنت طالق.
لقد استمر التحقيق مع الرجل لأيام عديدة بينما كان فى الحبس الإنفرادى، وقد كانت هذه التحقيقات تتم فى مبنى وزارة الداخلية أو فى جهاز مباحث أمن الدولة وأيضا فى مكان احتجازه بالسجن، ومما ذكر بعد إعدامه أن أحد الشباب المتهمين فى قضية سياسية وجد على جدار الزنزان رقم 40 بسجن القلعة والتى كان الدكتور صالح سرية مسجونا بها بضع ابيات من الشعر مكتوبة على الجدار فنقلها وهربها سرا وهى:
أقري العدا من لحمهم أشـــــلاء ****** وأذيقهم كأس الردى لا مــــاء
وأطبهم بالقتل أو أحييــــــــــــهم ****** بالأسر لا موتى ولا أحيـــــاء
بمجرب في الحرب يكره غمـــده ****** ماض كسيف المسلمين مضاء
ومهاجر في الله ودع أهلـــــــــه ****** لم يلتفت يوم الفـــــــراق وراء
ألقى ثقال الأرض عن أكتافـــــه ****** ورمى الهوى لما أراد سمــاء
ومضى كأن الأرض لم يولد بها ****** ولم يعرف بها رفقــــــــــــــــاء
الله أكبر يوم يزحف جيشــــــــنا ****** صوب المدينة يقطع البيــــداء
اليوم يوم السيف إن تضرب به ****** أثخن وإن تنذر فلا إرجــــــــاء
راياتنا سود كراية أحمــــــــــــد ****** لكنها عادت إذن حمـــــــــــراء
( وكان قد رسم بعدها رايتان ،سوداء وحمراء كتب بينهما " صالح سرية " ).
ملحوظة: تم نقل هذه الأبيات كما هى، وربما الأخطاء فى النحو أو التفعيلة بسبب النقل.
أفكاره:
لقد كانت أفكار "حزب التحرير" هى الرافد الرئيسى لأيدلوجية الرجل، هذه الأفكار التى تعتمد فى الأساس على تكفير النظم الحاكمة، والدعوة للإنقلاب عليها، وإقامة دولة الخلافة الإسلامية، تلك الأفكار التى طورها صالح سرية فى مجموعة من الكتابات أهمها "رسالة الإيمان" التى أعاد طباعتها عدة مرات اتحاد طلاب مصر فى نهاية السبعينيات.
ومن أهم الأفكار الواردة فى هذه الوثيقة:
- الجهاد هو الطريق لإقامة الدول الإسلامية
- لا يجوز موالاة الكفار والأنظمة الكافرة ومن فعل ذلك فهو كافر. من مات دفاعاً عن حكومة كافرة ضد من قاموا لإقامة الدولة الإسلامية فهو كافر إلا إذا كان مكرهاً فإنه يبعث على نيته. من اشترك في حزب عقائدي غير إسلامي فهو كافر، كذلك من اشترك في جمعية عالمية كالماسونية أو اعتنق فلسفة مخالفة كالوجودية أو البرجماتية.
- الحكم بتكفير الحكام وجاهلية المجتمع واعتباره دار حرب.
- جواز العمل الحزبي الإسلامي والمساهمة من خلاله في الانتخابات ودخول البرلمان والمشاركة في الوزارات إذا كان صريحاً بأنه يسعى عن هذا الطريق للوصول إلى السلطة وتحويل الدولة إلى دولة إسلامية.
- يجوز للمسلم أن يدخل في مختلف اختصاصات الدولة بأمر من الجماعة الإسلامية ويستغل منصبه لمساعدة الجماعة للحصول على السلطة أو التخفيف عنها في حالة المحنة أو إفادتها بأي طريق ولا مانع أن يصبح وزيراً حتى مع حكم طاغية إذا كان بهذه النية.
- كل من ينفذ أوامر الدولة الكافرة ضد الإسلام والحركة الإنسانية فهو كافر.
- في حالة وجود مرشح إسلامي وأمامه مرشح اشتراكي أو قومي أو شيوعي وانتخب الفرد غير الإسلامي فإنه يكون كافراً بهذا الموقف.
- الذين يحاربون دعاة الإسلام لأنهم يمزجون الدين بالسياسة كفار لأنهم قصروا الإسلام على جانب وكفروا بالجوانب الأخرى.
- المعارضون لأحكام الإسلام الذين يتهمون الدين بالتخلف والرجعية كفار، كذلك الذين يعترضون على حكم من أحكام الله ولا يرضون عنها مثل الذين يعترضون على الإسلام ويتهمونه بالتخلف فإن هؤلاء غير راضين عن الإسلام أصلاً.
- التفريق بين الامتناع الجماعي والامتناع الفردي بمعنى أن الترك الجماعي لأي ركن من أركان الإسلام كفر.
- كل القوانين المخالفة للإسلام في الدولة هي قوانين كفر وكل من أعدها أو ساهم في إعدادها أو جعلها تشريعات ملزمة فهو كافر كذلك من طبقها دون اعتراض عليها أو إنكار لها.
- تحية العلم والجندي المجهول والسلام الجمهوري من طقوس الجاهلية وهي صورة من صور الشرك.
لقد كان صالح سرية من أول من أسس للجماعات السلفية الجهادية فى مصر، ومن رحم تنظيمه هذا ولدت جميع التنظيمات وحركات العنف الإسلامى السياسى، ويكفى أن نذكر أن "محمد عبد السلام فرج" صاحب الفريضة الغائبة كان عضوا مهما فى تنظيمه، بينما أصبحت أفكاره هاديا ومرشدا وجزءا مهما من أدبيات التثقيف فى جميع هذه التنظيمات الجهادية.
No comments:
Post a Comment