Friday, April 30, 2010

العمالة الآسيوية فى الخليج ..مشكلة متفاقمة


كنت مقيما فى الخليج وتحديدا فى سلطنة عمان لأكثر من عشرين عاما، لذا فأعتبر نفسى شاهدا على فترة طويلة من التطور لهذه البلدان والتى بدأت نهضتها منذ عقود قريبة اللهم الا فى دولتى السعودية والكويت والتى سبقت الآخرين بسبب إكتشاف النفط المبكر بها، ورغم الفترة القصيرة نسبيا فى عمر الشعوب والدول إستطاعت هذه البلدان بفضل الثروة النفطية وعائداتها الضخمة من تحقيق نهضة مادية وعمرانية كبيرة حيث كانت فى معظمها تعيش حياة بدوية بدائية فقيرة وشديدة التخلف.

تميزت المجتمعات القبلية فى الخليج فى فترة ما قبل اكتشاف النفط بعدة سمات نوجزها فيما يلى:

الإلتزام الشديد والطاعة العمياء من المراتب الدنيا للمراتب العليا فى القبيلة الواحدة حيث يخضع الجميع لسلطة شيخ القبيلة الذى يملك اصدار الأحكام وتنفيذها وقد شاهدت بعينى فى بيوتهم آثار ذلك العهد من كور الحديد المعلقة فى سلاسل وتسمى الحجلة كانت تربط فى أقدام السجناء حتى لا يهربون.

الغارات المتبادلة بين القبائل بسبب ندرة الرزق ( الماء – مناطق الرعى – الغذاء ...الخ )، وما تزال الحصون والأبراج التى شيدتها القبائل تأمينا من الغزو شاهدة على ذلك।

التأثير الكبير لشبه القارة الهندية على مجمل الأوضاع الإقتصادية والثقافية فى الخليج والأمثلة كثيرة منها أن العملة الأكثر تداولا فى هذه الدويلات حتى عهد قريب كانت الروبية الهندية وطوابع البريد كانت كذلك هندية وكثيرمن الخليجيين كانوا يتكلمون الهندية والأردية وتداخلت كلمات كثيرة فى لهجاتهم المحلية منها ألفاظ مثل سيدا ( بمعنى على طول ) ودريشة ( بمعنى شباك ) وغيرها، كما كان الخليجيون يدرسون فى الهند ويتعالجون فيها، وما زال لهذا الوضع حضورا قويا فى معظم هذه الدول.

بإستثناء التأثر بالهند كان التأثير العربى البارز لمصر وإن حصر هذا التأثير فى الجانب الثقافى فقط مثل التأثر باللهجة المصرية وغلبتها على باقى اللهجات العربية وكذلك من الناحية السياسية أثناء المد الناصرى ومساندته لحركات التحرر فى هذه المنطقة وإحتوائه لكثيرين من شبابها الدارسين وأيضا لإرساله الكثيرمن المعلمين إليها.

وبعد أفول الإمبراطورية الإنجليزية بعد حرب السويس، حاولت انجلترا ترتيب أوضاع الخليج تمهيدا للإنسحاب العسكرى منه، وذلك بقيامها بإزالة الحكام الأكثر تخلفا ورجعية بعد إشتداد الثورة ضدهم وإحلال جيل من الشباب الأكثر تفتحا وارتباطا بالغرب محلهم، حدث هذا فى سلطنة عمان من خلال إنقلاب سلمى تولى فيه قابوس بن سعيد مكان أبوه سعيد بن تيمور وأيضا فيما كان يعرف بالإمارات المتصالحة بإقالة شخبوط بن نهيان واحلال الشيخ زايد مكانه وهكذا الحال فى قطر والبحرين.

وعودة سريعة الى الوضع الحالى لهذه الدول التى قطعت مشوارا لا بأس به على طريق النهضة والتطور نجد أن العمالة الآسيوية وخاصة الهندية منها ما تزال تشكل المساحة الرئيسية لسوق العمل بها، يتوافق ذلك مع صغر حجم سكانها وإعتمادها بشكل كبير على تلك العمالة، وفى إحصائية نشرتها منظمة العمل العربية أن العمالة الوافدة تشكل 80% من سكان دولة الإمارات و 72% من سكان قطر و 63% من سكان الكويت بينما تنخفض فى بلدان مثل عمان 27.3% والسعودية 32.1% والبحرين 38.2%، وذكرت الدراسة أن القطاعات الإنتاجية الرئيسية والخدمية منها تحت سيطرة هذه الفئات، ويشكل الهنود وحدهم ما نسبته 53.3% من هذه العمالة، بينما تشكل العمالة العربية نسبة لا تزيد عن 12%.

وإذا ما أضفنا الى ذلك أن هناك أكثر من مليون وافد يعيشون بصفة غير شرعية وبلا أوراق ثبوتية ويعاملون معاملة الرقيق بلا أى حقوق لهم فإنه يتضح لدينا ضخامة هذه المشكلة.

ما أن تطأ أقدامك إحدى المدن الخليجية صغرت أو كبرت، فى الجبل أو فى الحضر، حتى تفاجأ بكثافة الوجود الآسيوى وخاصة الهندى منه، فى جميع الأماكن إن بيعا أو خدمات أو صناعة أو تجارة، وفى المساء تشاهد نزاحما منهم على شركات الصرافة وتحويل الأموال، هذه الفئات التى تقوم بتحويل مكتسباتها بشكل شبه يومى خوفا من امكانية الإستيلاء عليها من الغير، وهذه الإمكانية قائمة وخاصة من بعض الخليجيين وذوى النفوذ تحديدا، حدث مرة أن أخبرنى عامل بنجالى يعمل فى إصلاح السيارات وهو يبكى أن أحد الخليجين إستولى على حصيلة عمره بحجة إستثمارها وحين لجأ الى مخفر الشرطة شاكيا قال له الضابط الخليجى انه جاء من بلده بلا مال ويمكنه العودة اليها كذلك وأن ما حصله من أموال إنما هى من جيوبهم، ونظرة الى حجم هذه التحويلات التى تقوم العمالة الوافدة بتحويلها سنويا نجدها حوالى 60 مليار دولار كما ذكرذلك وزير العمل البحرينى الدكتور مجيد العلوى.

وكما أن للمشكلة شقان أحدهما يخص دول الخليج ذاتها والتى تعانى من هذا النزيف المستمر لإقتصادها من جراء التحويلات المستمرة، وأيضا من إرتفاع نسبة البطالة بها نتيجة تشبع سوق العمل المحدود بالعمالة الوافدة واستكناف كثير من الخليجيين القيام بالأعمال اليدوية والصغيرة ( سائقون، زراع، حلاقون، كوائى ملابس، عمال بناء، عمال بلدية، خدم .....وعشرات المهن الشبيهة)، وتشوه البنيان الثقافى بهذه العمالة الكثيفة، ويبلغ حجم البطالة فى دول الخليج نسبة منذرة بالخطر حسب تقرير منظمة العمل العربية فإن معدل البطالة في السعودية نحو 15%، وفي سلطنة عُمان 17.2%، وفي قطر 11.6%، وفي الإمارات العربية المتحدة، وقد ذكرت دراسة أعدتها جامعة الشارقة العام الماضي أن 32.6% من الإمارتيين و47.7% من الإماراتيات هم خارج منظومة العمل. وفق ما ذكر في موقع (ArabianBusiness.com). وذكر منتدى دافوس الاقتصادي العالمي في العام 2005 أن نسبة البطالة بالدول العربية مجتمعة بلغت نحو 15%، ولكن تبقى نسبة البطالة فى دول الوفرة الخليجيجية عالية جدا بكل المقاييس.

الجانب الاخر من القضية هو ظروف تشغيل هولاء الوافدون وظروف معيشتهم، فمعظمهم يسكنون فى شبه كوميونات منعزلة، فرادى بدون اسرهم، وفى ظروف حياتية غير آدمية من أجل توفير القليل الذى يستطيعون به إعالة أسرهم فى بلدانهم، ويخضعون لدرجات قصوى من استغلال الكفيل لهم وخاصة العمالة المنزلية، وظاهرة الكفيل هى نوع من الإستعباد لا أظنه موجودا الا فى هذه الدول، فبموجب حق الكفالة يقوم الكفيل بحجب جواز سفر العامل ومنعه من السفر الا بموافقته، كما انها تمكنه من التحكم فى هذا العامل من ناحية ساعات العمل والحرمان من الأجر لشهور طويلة، ولا يجد العامل من ينصره غالبا إذ أن مكاتب العمل تحابى الكفلاء خاصة ذوى النفوذ منهم، ولخوف العامل من إغضاب الكفيل الذى يمكنه إضراره بشتى السبل و أقلها إنهاء عقده بدون صرف حقوقه وترحيله الى وطنه ووضعه فى قوائم الممنوعين من الدخول، وهناك ضغوط دولية لإلغاء نظام الكفالة من عدة منظمات على رأسها"منظمة العمل الدولية"، وقد أقرت مملكة البحرين إلغاء هذا النظام ولكن تبقى العبرة بالتطبيق.

على أن المشكلة ومحاولات حلها تتفاوت من دولة لأخرى، ونرى أن محاولات استبدال العمالة الوافدة باخرى وطنية ايضا متفاوته فى هذه البلدان، فقد نجح بعضها فى تحقيق معدلات توطين جيدة من خلال برامج وخطط تعمل على تخريج كوادر وطنية أو سن قوانين تمنع تشغيل العمالة الوافدة فى بعض المهن، كما تلزم الأفراد والشركات المحلية والأجنبية بتشغيل نسبة محددة من ابناء البلد فى وظائفها، وذلك ما حدث فى سلطنة عمان حيث أنشأت العديد من المعاهد والكليات لتخريج كوادرعمانية مثل المعلمين والممرضات والفنيين والفئات المهنية الأخرى حتى أكملت أو كادت إحتياجاتها من هذه الفئات، وأيضا أصدرت القوانين المتتالية بفرض منع العمل للأجانب فى كثير من المهن مثل الصيد وسياقة سيارات الأجرة وبيع المواد الغذائية والملابس وغيرها، ولكن مع تزايد حاجة هذه الدول لمزيد من العمالة خصوصا الماهرة منها نظرا لتحسن أسعار النفط وتوسعها فى المشاريع المعمارية والصناعية والبنية الساسية فإنها تستقدم اعداد متزايدة من هذه العمالة.

على أن هناك جوانب أخرى مختلفة لتأثير العمالة الوافدة على بنية وتركيبة المجتمع ليس أقلها الجانب الثقافى وسهولة تأثر الخليجيين بالعادات الوافدة من شبه القارة الهندية فى طعامهم ولباسهم وكثير من عاداتهم والأكثر تأثرا هم الأطفال الذين يتركهم آبائهم للخادمات الآسيويات بدياناتهم ومعتقداتهم المختلفة واللاتى يجهلن فى الغالب اللغة العربية، كما أن الظروف الإجتماعية المغلقة فى هذه البلاد والكبت الجنسى والحرمان ومنع الإختلاط يدفع العديد من الشباب للإعتداء الجنسى على الخادمات من اللواتى لا حول لهن ولا قوة وليس من السهل عليهن اللجوء للقانون لحمايتهن، حتى الذين يعملون فى وظائف فنية عالية كالأطباء يتم عقابهن فى حالات كثيرة بالجلد والحبس فى قضايا معظمها كيدية وملفقة.

ويرفض معظم الخليجيون استبدال العمالة الآسيوية بأخرى من البلاد العربية وذلك لرخص أجورها من ناحية وسهولة السيطرة عليها ويسمون المصريين بالفراعين الذين ما يلبثون أن يتمردوا على هذه الأوضاع، لذا فإن العمالة الآسيوية تزداد فى هذه الدول خاصة مع إستمرار إنتعاش إقتصادياتها بفعل إرتفاع أسعار النفط، لتبقى الكلمة الأكثر شيوعا فى الشارع الخليجى هى ( ما فى معلوم عربى ).

No comments:

Post a Comment