1- محمد سالم رحّال ( الفلسطينى الغامض )
جاء محمد سالم رحال الى مصر فى أوائل السبعينات من القرن الماضى للدراسة فى الأزهر الشريف، وكان فى هذا الوقت عضوا نشطا فى "حزب التحرير الإسلامى"(1) بأفكاره الراديكالية الثورية والمحظور فى جميع الول العربية والإسلامية ، وتعرف فى مصر على الدكتور "صالح سرّية"(2)، ذو الفكر الدينى المتشدد والذى كون تنظيما من الشباب الجامعى وحاول القيام بإنقلاب على حكم السادات من خلال الاستيلاء على الكلية الفنية العسكرية والتحرك لمحاصرة مبنى اللجنة المركزية للإتحاد الإشتراكى، ولكن الخطة فشلت وتم القبض على المشاركين، وكذلك القى القبض على " رحّال" ولكن سرعان ما أفرج عنه لعدم ثبوت التهمة.
وبعد انتهاء الأحداث عاد رحّال الى دراسته ليحصل على شهادة البكالريوس والماجستير من جامعة الأزهر وبدأ التحضير للحصول على الدكتوراه فى الفقه، واستطاع الرجل اثناء إقامته فى القاهرة التعرف بشكل واسع على مجموعات من الشباب المنتمى الى التيار الإسلامى الأصولى حيث كانت بدايات تشكل هذه المجموعات، وعمل على تجنيد بعضهم، مكونا مجموعة تؤمن بافكار الحزب الذى ينتمى اليه، ومنهم المفكر والباحث الإسلامى الذى عرف فيما بعد " الدكتوركمال حبيب".
أشار محامى الجماعات الإسلامية "منتصر الزيات" فى كتابه ( الجماعات الإسلامية رؤية من الداخل)، على محمد سالم رحّال بصفته شخصية محورية كان لها التأثير الكبير في تنظيم وحشد العناصر الجهادية في مصر في مرحلة التحضير و الدعوة في بداية السبعينيات، والذي يبدو من المذكرات التي يسردها الزيات، أن الرجل لعب دورا أساسيا في توحيد التنظيمات الجهادية في مصر، ويذكر الزيات أنه تعرف على رحّال من خلال أحد أفراد مجموعته فى بدايات عام 1980 وهو "أحمد هانى الحناوى"، ويصف الزيات الرجل بأنه قصير القامة، خمرى اللون، له نظرات حادة ويشع من عينيه الذكاء، وأنه فى حوالى الثلاثين من العمر، وقد حدثه عن ضرورة اقامة الخلافة الإسلامية، وأعطاه كتاب ( فقه الجهاد فى سبيل الإسلام ) للشوكانى، ونصحة بقراءته، وذكر له أن طريق الجهاد فى سبيل الدعوة الإسلامية يمر بثلاث مراحل أولها الدعوة باللسان، والثانية مرحلة التعنيف والأخيرة إستخدام القوة.
نشأته:
ولد "محمد سالم رحّال" بقرية صويلح الأردنية، التى لجأ اليها أبوه سالم رحّال إبّان نكبة 1948 من قرية "عرتوب" فى ضواحى القدس، وكان أبوه والكثير من أبناء أسرته ينتمون الى حزب التحرير الاسلامى، وقد نشأ متشبعا بأفكار هذا الحزب، وأنهى دراسته الثانوية بالأردن، بعدها شدّ رحّال وثاقه الى القاهرة للدراسة بالأزهر الشريف، حيث كانت الدراسة الدينية منسجمة مع أفكاره وميوله المكتسبة من البيئة التى نشأ بها.
نشاطه:
كان النشاط الأبرز لرحّال أثناء وجوده فى مصر نشر الفكر الجهادى، فلم يضيّع وقتا منذ حضوره الى القاهرة فى التحرك فى مجال الطلبة الفلسطينيين بصفة أساسية ومنهم على سبيل الذكر " فتحى الشقاقى " مؤسس حركة الجهاد الإسلامى فى فلسطين وعبد العزيز عودة ، وكذلك بين الطلبة المصريين وبعض العسكريين وأبرزهم كان العقيد عصام القمري الذي إغتالته الشرطة، ووفيق كامل راتب، ونبيل المغربي، وأحمد رجب سلامة و محمد طارق إبراهيم وأنور عبدالعظيم, ونبيل فرج ومحمد الأسواني وأحمد سعد عثمان وأحمد الحناوي وعادل عبدالمطلب ونبيل نعيم وأحمد راشد، ومنهم كما ذكرنا "كمال حبيب" الذى قاد المجموعة بعد إبعاد رحّال من مصر، واشترك فى التخطيط لعملية إغتيال أنور السادات وحكم عليه بالسجن لمدة عشرة سنوات، واستمر رحّال فى العمل السرى وبذل جهدا كبيرا فى محاولة توحيد المنظمات الإسلامية والدعوة لأفكار حزب التحرير الإسلامى الى أن تم ترحيله بواسطة اجهزة الأمن من مصر فى ظروف غامضة فى ينايرعام 1981 الى الأردن، ولكنه آثر الذهاب الى دولة الكويت حيث يوجد أنصار لحزب التحرير وحركة اسلامية سلفية قوية، وفى هذه الأثناء ورد اسمه كأحد المتهمين فى قضية اغتيال أنور السادات.
وعاود رحّال نشاطه فى الكويت فتم ترحيله مرّة أخرى من الكويت تحت ضغط السلطات المصرية الى موطنه الأردن،
حيث عاد الى مسقط رأسه فى " صويلح "، لتستقبله أسرته ومواطني قريته استقبالا طيبا، ويتزوج من احدى قريباته ويحيى حياة شبه عادية، ولكن السلطات الأردنية تكتشف معاودته لنشاطه وتأسيسه تنظيما جهاديا مسلحا عرف باسم "تنظيم الجهاد الإسلامي"، لم يلبث أن تم اعتقاله وتفكيكه من قبل الأجهزة الأمنية الأردنية عام 1984 ، ويتم القبض عليه وإيداعه السجن،حيث تعرض لضغوط كثيرة أدت الى تكثيف الحالة النفسية التى كان يعانى منها، وسيطر عليه "الوسواس القهرى" والشعور بالإضطهاد، وتدهورت حالته الصحية مما إضطر السلطات الأردنية للافراج عنه.
نهايه مأساوية:
بخروجه من السجن تحول رحّال من "حالة نفسية" الى "حالة عقلية" وأصبح دائم الشك فى المحيطين به، مما ادى الى انفصال زوجته عنه، ليتطور الأمر بطريقة درامية مأساوية، حيث أنه وفى مناقشة مع والده، إستل سكينا وطعنه به لينزف دماؤه حتى الموت، ويتم القبض عليه مرة أخرى فى قضية قتل والده، حيث يتم تحويله الى مستشفى الأمراض العقلية فى الفحيص والذى ما زال بها حتى الآن على حد علمى.
إن من يكتب تاريخ هذه المرحلة يصعب عليه أن ينسى ما قام به "محمد سالم رحّال" فى ترميم وتأسيس وتوحيد خلايا تنظيم الجهاد المصري ، وفى نشر أفكار السلفية الجهادية.
_______________________________
1- حزب التحرير حزب سياسي تبنى الدعوة إلى وجوب إعادة الخلافة الإسلامية، لكنه اعتمد في ذلك على تغيير الثقافة في الفكر كأداة رئيسية لتحقيق ذلك، وتبنى وسائل واجتهادات عديدة انتقدها عليه جماهير علماء المسلمين المعاصرين لتصادمها مع النصوص والمقاصد الشرعية.
وقد أسسه تقي الدين النبهاني الذي ولد في عام 1909 وتوفي في عام: 1979 وهو فلسطيني الأصل، ودرس في الأزهر، وعمل قاضياً ثم انتقل إلى الأردن، وعمل بها مدرساً في الكلية الإسلامية.
وفي عام 1952 أسس حزبه (بعد تخليه عن أفكار الإخوان المسلمين التى كان ينتمى اليها فى الأردن، واشق عنها فى خمسينيات القرن الماضى) وتفرغ لرئاسته، وتنقل بين دول بلاد الشام، وأصدر الكتيبات والنشرات التي يعتبرها المنهج الثقافي لحزبه إلى أن توفي في بيروت، وبقي للحزب فروعه في الأردن ولبنان وغيرها من البلدان.، ويكفر الحزب جميع الأنظمة العربية، وخلاصة منهجهم التغييري تقوم على ثلاث مراحل:
الأولى: الصراع الفكري، ويكون بالثقافة التي يطرحها الحزب.
الثانية: الانقلاب الفكري، ويكون بالتفاعل مع المجتمع عن طريق العمل الثقافي والسياسي.
الثالثة: تسلم زمام الحكم، ويكون عن طريق الأمة تسلماً كاملاً.
2- سوف نفرد مقالا خاصا عن الدكتور "صالح سرّية" فى الحلقة القادمة.
3- كتاب (الجماعات الإسلامية رؤية من الداخل)
No comments:
Post a Comment