Thursday, July 1, 2010

هل ثمة تشابه بين البرادعى وسعد زغلول؟












أشار بعض الكتاب والصحفيين المصريين عرضا فى بعض مقالاتهم عن أوجه للتشابه بين الزعيم الوطنى سعد زغلول وبين الدكتور محمد البرادعى، ولكن دعونا نحاول أن نرصد بموضوعية وجه الشبه والإختلاف بين الرجلين.

أول ما يلفت النظر أن سعد زغلول ومحمد البرادعى بدءا حركتهما الجماهيرية فى سن متقدم نسبيا، فى الستين أو أكثر، وكلاهما ليبراليا من النخبة ولم يعرف لهما تاريخ سابق من العمل وسط الجماهير، على أن سعد زغلول كان أن سبق له التعاطف مع الثورة العرابية فى بداية شبابه، وجمعته لقاءات بجمال الدين الأفغانى والشيخ محمد عبدة، وفصل من عمله أثناء عملية التطهير التى تلت فشل العرابيين، الا أنه ظل محافظا على علاقته بالعمل الحكومى حتى وصل الى الوزارة مرتين، أحدهما كوزير للمعارف العمومية (التربية والتعليم حاليا ) ووزارة الحقانية (العدل حاليا )، وصاهر مصطفى باشا فهمى رئيس الوزراء ورجل الإنجليز الأول فى مصر، كما أن الدكتور البرادعى تقلد مناصب حكومية رفيعة اهمها مساعد وزير الخارجية إسماعيل فهمى قبل إنتقاله للعمل بالأمم المتحدة ووصوله الى منصب مدير عام الوكالة الدولية للطاقة الذرية لثلاث دورات متتالية، وهكذا شغل الرجلين قبل الإنخراط فى الحركة الجماهيرية مناصب هامة، سعد فى الداخل والبرادعى فى الخارج.

يحاول البعض تشبيه إستقبال الدكتور البرادعى فى مطار القاهرة بعد عودته بالإستقبال التاريخى للزعيم سعد زغلول من المنفى، وأعتقد أنها مقارنة ظالمة للدكتور البرادعى كثيرا، فقد عاد سعد تحت ضغط ثورة شعبية جارفة شملت كل الوطن، وأرغمت المحتل صاغرا الى الإفراج عنه ورفاقه والسماح بعودتهم لمصر، والإعتراف بأن الوفد يمثل الشعب والسماح لهم بالسفر الى باريس لعرض القضية على مؤتمر الصلح، بينما البرادعى العائد بعد غيبة طويلة استمرت منذ عام 1964(اللهم ماعدا زيارات سريعة لمصر)، وخروج عدة مئات أو آلاف لإستقبال البرادعى فى المطار متحدين كل العقبات ومعرضين انفسهم للمخاطر هو موقف عظيم ويبشر بالأمل، ولكن مقارنة الإستقبالين يعد فى غير محلة ويشوبه كثير من الخلط والظلم.

الشيئ الذى دعا الكثيرين الى عقد هذه المقارنة بين الرجلين هو موضوع التوكيلات الشعبية، فلا شك أن اللجوء لهذا الشكل كتفويض من الأمة هو من إختراع سعد زغلول ورفاقه، وكما هو معروف فبعد انتهاء الحرب العالمية الأولى اتفق سعد مع اثنين من رفاقه هما عبد العزيز فهمى وعلى شعراوى وكانوا أعضاءا منتخبين فى الجمعية التشريعية على مقابلة المندوب السامى البريطانى فى مصر للسماح لهم بالسفر الى لندن لعرض مطلب الأمة المصرية فى الإستقلال على الحكومة البريطانية، وجاء رد السير" رجنالد ونجت " المندوب السامى بأنهم لا يمثلون الأمة حتى يتحدثوا بإسمها، ومن هنا جاءت فكرة جمع توكيلات من الشعب للوفد المصرى وتم اقتراح صيغة عامة لهذا التوكيل وتوزيعها جاء فيها ("نحن الموقعين على هذا قد أنبنا عنا حضرات: سعد زغلول و.. في أن يسعوا بالطرق السلمية المشروعة حيثما وجدوا للسعي سبيلاً في استقلال مصر تطبيقاً لمبادئ الحرية والعدل التي تنشر رايتها دولة بريطانيا العظمى".).

وقد كانت التوكيلات هى الوسيلة العبقرية التى إخترعها الزعيم سعد زغلول وتسابق المصريين أفواجا بشكل لا يوجد له مثيل فى تاريخهم على إقرار هذا الشكل، ليتحول الوفد الى عقيدة الأمة بكل طبقاتها وأطيافها، ولتشتعل الثورة فى كل أرجاء مصر إحتجاجا على القبض على سعد باشا بواسطة الإحتلال ونفيه الى مالطة.

وتجددت فكرة التوكيلات فى مصر مرة أخرى مع ظهور الدكتور البرادعى من خلال حماس الداعمين له على الفيسبوك من شباب 6 أبريل وعايز حقى والجمعية الوطنية للتغيير وغيرهم من الشباب المؤيد للبرادعى، ورغم ثورة الإتصالات وتنوع أساليب التوقيع على بيان التغيير ذى السبع نقاط فإن الحصيلة حتى الآن تعد متواضعة قياسا بالمشهد الإجماعى للمصريين من تأييد الوفد وزعيمه.

رغم أن الرجلين حاصلين على شهادة الحقوق، فقد اختلفت كثيرا الأيام، فقد كانت شهادة الحقوق فى الماضى تعد جواز مرور للعمل السياسى ومناصب الوزارة، ولكن تلك الأيام مضت الى حالها وجرت فى النهر مياه كثيرة، لقد أمم نظام يوليو السياسة كما أمم الإقتصاد، وأصبح الوزراء مجرد موظفين فى جهاز الدولة، لا ينفى ذلك ظهور وزراء من التكنوقراط متميزين وموهوبين مثل عزيز صدقى وسيد مرعى وصدقى سليمان والدكتور النبوى المهندس وغيرهم، لكنهم لم يكونوا سياسيين بل مجرد موظفين، عموما لم يكن سعد زغلول مجرد محامى بل خطيبا مفوها، يملك كاريزما الزعامة، صك كلمات فى الضمير الجماعى للأمة ما تزال باقية، مثل:

- إختلاف الرأى لا يفسد للود قضية.

- هى تهمة لا أنفيها وشرف لا أدعيه.

- الحق فوق القوة والأمة فوق الحكومة.

ورغم أن البرادعى خريج حقوق، وأبوه كان نقيب المحامين لأكثر من دورة، لكن الرجل لم يكن خطيبا فى يوم ما، وليس لديه ملكات الزعامة، وليس له طموح قوى للوصول للرئاسة، وهذا ما يحمد له لا ما يؤخذ عليه، فالوطن ليس فى حاجة الى زعماء قد تحولهم الشعوب الى أنصاف آلهه، يكفيه أنه لم يتلوث بوحل النظام الفاسد، وسمعته الخارجية وحصوله على جائزة نوبل وقلادة النيل تعطيانه بعض الحصانة، بالإضافة الى ذكائه الفطرى وحرصه، وأيضا إيمانه الشديد بالشباب وإمكانية تأثره إيجابيا بأساليبهم، كل ذلك يعده إضافة حقيقية ورديفا للحركة المطالبة بالتغيير، كما أن الرجل يتعمد الغموض وعدم طرح برنامج تفصيلى، وهذه ميزة فيما أظن، فقد لخص فى النقاط السبع بدقة الطريق الى الخروج من عنق الزجاجة وإصلاح ما أفسده العسكر، والإنتقال من نظام ديكتاتورى شمولى الى إختيار حر للرئيس القادم للبلاد ، وهذه تذكرة بالنقاط السبع التى تضمنها بيان التغيير:

1. إنهاء حالة الطوارئ

2. تمكين القضاء المصرى من الاشراف الكامل على العملية الانتخابية برمتها.

3. الرقابة على الانتخابات من قبل منظمات المجتمع المدنى المحلى والدولى.

4. توفير فرص متكافئة في وسائل الإعلام لجميع المرشحين وخاصة في الانتخابات الرئاسية.

5. تمكين المصريين في الخارج من ممارسة حقهم في التصويت بالسفارات والقنصليات المصرية.

6. كفالة حق الترشح في الانتخابات الرئاسية دون قيود تعسفية اتساقاً مع التزامات مصر طبقاً للاتفاقية الدولية للحقوق السياسية والمدنية، وقصر حق الترشح للرئاسة على فترتين.

7. الانتخابات عن طريق الرقم القومي. ويستلزم تحقيق بعض تلك الإجراءات والضمانات تعديل المواد 76 و77 و88 من الدستور في أقرب وقت ممكن.

لقد كان للمصريين جميعا فى ثورة 1919 قضية واضحة صهرت الجميع فى أتونها وهى الإستقلال، دفعوا ثمنها غاليا من دمائهم وارواحهم، وإرتبطت الثورة بوحدة عنصرى الأمة وبمشاركة المرأة والشباب، كانت المطالب ظاهرة ومحددة، ولكن المعركة الآن ليست ضد العدو الخارجى، بل ما هو أسوأ، تحالف رجال الأعمال مع الفساد، وسيطرة نظام فاشى قمعى بترسانة من المرتزقة والعملاء، نوع أسوأ كثيرا من أنواع الإحتلال.

تحضرنى هنا طرفة، فى الثمانينيات كنت حديث التخرج وأعمل بسيناء، وفى جلسة جمعتنى بشيخ مسن من البدو سألته: هل كانت أوضاعكم أفضل أثناء الإحتلال أم الآن؟، فكانت إجابته صادمة لى، قال بحذر: شوف يا ولدى لقد كان للإحتلال الإسرائيلى عيوب، ولكن الإحتلال المصرى عيوبه أكثر!!!.

إن الوضع الراهن للمعارضة فى مصر محبط، ضعف وانقسام وفقدان للرؤية وانفصال عن الجماهير، الأمل الحقيقى هو فى الشباب المتحمس والناشط على صفحات الفيسبوك وتويتر وفى الحركة اليومية فى الشارع أيضا، كل ذلك مع عجز النخبة وخوف الجماهير وإحباطها، هؤلاء الشباب هم من صنعوا ظاهرة البرادعى وهم وحدهم القادرين على النهوض بها الى آفاق بعيدة، حينها يمكننا أن نقارن بين زعيم فى قامة سعد زغلول وبين الدكتور محمد البرادعى.

No comments:

Post a Comment