هذا المقال هو رد مختصر على ما أثاره الزميل "حسن خليل" فى موقع "الموقف اليسارى" تحت عنوان (حركة بلا رأس)، وذلك على الرابط التالى:
http://egyptleft.blogspot.com/2010/07/blog-post.html
وليسمح لى الزميل العزيز أن أناقشة فى بعض ما جاء بالمقال.
أبدأ معه بنقاط الإتفاق وأولها قضية البناء التنظيمى لهذه الحركات (والنموذج الذى إخترته حتى يكون مجالا تطبيقيا للحديث حوله هى "حركة 6 ابريل"، حيث أن هذه الحركة هى من أكبر وأنشط الحركات الإحتجاجية على الساحة)، وأتفق معه حول هلامية الشكل التنظيمى لهذه الحركة والذى يعتمد على وجود رأس الحركة ممثلا فى المنسق العام ، يليه اللجنة التنسيقية العليا، ثم منسقى المجموعات الجغرافية، مع عدم وجود أشكال قاعدية واضحة (لجان أو خلايا)، بل تجمعات متناثرة ، كما تعتمد الحركة نظام اللامركزية فى عملها وقراراتها، وتعتمد شروطا للعضوية هى مجموعة من الصفات الأخلاقية، وإن كان يجب أن لايغيب عنا عنصرين هامين:
الأول: إن الشكل الذى نحن بصدده كما يسمى نفسه "حركة"، أى لا يخضع للقوانين الصارمة للأشكال الحزبية.
الثانى: انه لا يجب أن نحاكم الشكل التنظيمى للحركة بمعايير الأحزاب الشيوعية المؤسسة على منهج تنظيمى لينينى.
وإذا أدركنا أن التكوين العمرى للأغلبية العظمى فى هذه الحركة ومثيلاتها هو ما بين سن 18 الى 30 سنة تقريبا، لأدركنا غضاضة هولاء الشباب ونقص خبراتهم السياسية، وخاصة فى ظل غياب برامج تثقيفية منتظمة أو أدبيات نظرية يعتمدون عليها.
نقطة الإتفاق النسبى الثانية مع الكاتب هى أنه تم التركيز طويلا وبأكثر من اللازم على قضية مقتل "خالد سعيد"، ولكنهم إستطاعوا بحركتهم أن يجبروا النظام على عدم إغلاق ملف القضية، وإستطاعوا ان يظهروا السلطة متلبسة بالتواطؤ مع الجناة، والتستر عليهم، ولكن فى تقديرى أن هذه القضية قد أحسن إستغلالها ، والتحريض حولها وحشد القوى السياسية والجماهير الشعبية لتبنيها، وأنهم ربطوا بشكل سياسى ممنهج بين هذه القضية ومجمل قضايا التعذيب وإنتهاك حقوق الإنسان فى مصر.
ونظرة سريعة على ميلاد وتطور هذه الحركة يبّين لنا أنها ولدت فى خضم الحركة الجماهيرية، وذلك بإطلالتها الأولى فى 6 ابريل 2008من خلال دعوتها للإضراب إحتجاجا على الظروف المعيشية، ونجاحها الكبير فى ذلك اليوم الذى شهد إنتفاضة عمال المحلة وسقوط ثلاثة صرعى برصاص الأمن، وإستمرت الحركة فى التبنى النشط لقضايا العمال ووقفاتهم الإحتجاجية وأهمها ما حدث فى مظاهرة الأجور فى 3 مايو 2010، وفى جميع النضالات التى تلتها.
عموما ليس هذا مجال سرد مختلف النضالات اليومية لهذه الحركة وبقية الحركات التى ولدت فى الشارع وعلى صفحات المدونين ونشطاء الفيس بوك وتويتر.
على أنه قدإستوقفنى فى هذا المقال عدد من النقاط التى أجد أن الكاتب ذكرها بدون تدقيق أو إقتراب حقيقى مما يدور الآن فى مصر، وسأحاول أن الخص هذه النقاط فيما يلى:
1- يقول الكاتب فى إحدى الفقرات " المحاولة المستميتة للحركة أن تتجنب المواجهة مع النظام "ثورة الصمت" كما لو أن هذا ممكنا و كما لو أن هذا نظام آخر غير نظام الشرطة نفسها التي قتلت خالد و غيره. و يتجلى في الأساليب التي تبتعد عن قصد أوسع فئات الشعب. فالحركة علي الكورنيش و في ميدان التحرير بالملابس السوداء. بعيدا عن العشش و العشوائيات و كرموز و الخ."
وما قد غاب عن نظر الكاتب هو أن هذه الحركات هى الأجرأ على الإطلاق منذ 1946 فى الإشتبك والتصدى لأجهزة القمع ( الأمن المركزى والمباحث والمخبرين والضباط..الخ)، والفيديوهات والكليبات التى تملأ الإنترنت شاهد على ذلك، وما تنويع صور الإحتجاجات من وقفات صامتة ومظاهرات ومؤتمرات فى الشارع ( أمام مسجد سيدى جابر وجامع إبراهيم بالأسكندرية)، الا تكتيك مبتكر فى مواجهة أجهزة القمع.
2- يقول الكاتب فى مكان آخر(الأساسي في نظري هو أنها حركة بلا رأس لا تري كيف يمكنها أن تحقق أهدافها. بمعني أخر حركة ساذجة سياسيا و متخلفة تنظيميا و أبعد ما تكون عن النضج فكريا. نعم هي أنعكاس لحال الطبقة الوسطي. وهي في ذلك تذكرة و أستمرار لحركة 6 أبريل).
هذا الأسلوب الإستعلائى لا يعلم أحدا (إن كان يقصد التعليم)، والأحكام المتعجلة الفوقية لتحديد طبيعة الطبقة المكونة للحركة وكأنه إكتشاف فريد دون تفصيل لطبيعة هذه الطبقة التى إختارها، ولماذا هى هذه الطبقة بالذات، وليدخل من يشاء فى معارك فرعية، من نوع هل هى برجوازية صغيرة أم طبقة وسطى، ولا نعلم هل هى إهانة أنهم منحدرون من الطبقة الوسطى.
3- فى موقع آخر يقول (فلا يمكن إنقاذ هذه الحركة من نفسها دون أن يشكل شباب اليسار كتلة مستقلة داخلها تعلن موقفا شعبيا من قضايا التعذيب و تسعي إلي أقناع الآخرين به و إلي العمل من حوله بأساليب تتناسب معه).
دعنا لا نختلف كثيرا حول هذا الحل الأبوى، ولكن السؤال أين هو هذا اليسار؟، كما تعلم فإنه للأسف فإن اليسار التقليدى قد انفض منذ زمن طويل، المرة الأولى حل تنظيماته اختياريا على أرضية المجموعة الإشتراكية فى السلطة، و المرة الثانية تحللت تنظيماته وتبخرت هباءا، وانتقلت كوادره الى الأحزاب الليبرالية وجمعيات حقوق الإنسان وأكثرهم آثروا السلامة والتفتوا الى حياتهم الشخصية وتربية الأولاد، وفى الحقيقة إن الذى يمكن تسميته باليسار النضالى هم مجموعة من الشباب فى بعض التنظيمات الذين يحاولون الوجود فى الشارع والمشاركة مع شباب 6 ابريل وبقايا كفاية والجمعية الوطنية للتغييروالإشتراكيين الثوريين، وأيضا يشارك معهم بعض القوميين والليبراليين من شباب الكرامة والغد. أعتقد ان اليسار الذى تقصده أفضل لهم ألف مرة أن يظل بعيدا عن هذه الحركات حتى لا ينقل لها أمراضه التكتلية والإنقسامية وممارساته الإنتهازية، وتحليلاته الخاطئة، إن الذى يريد أن يناضل فلينزل الى الميدان بدون تصور مسبق أنه جاء ليمسك عصا المارشالية ويمتطى ظهور هؤلاء الشباب الغض.
4- فى فقرة أخرى من مقاله فإنه يذكر(أن الحركة المناهضة للتعذيب لا يجب أن تقتصر علي كونها حركة مطلبية بل أن تكون حركة فعل من الناس. فعل من نوع مراقبة الشرطة و تصويرها – تصور مثلا لو أن قضية خالد سعيد كانت قد صورت- و تشكيل مجموعات من المحامين للدفاع عن حقوق عامة الناس – بما في ذلك مرتكبي الجرائم فهم بشر لهم حقوق - في مواجهه التعذيب و سؤ أستخدام الشرطة لسلطتها. فضح القائمين علي التعذيب حيثما هم و كشفهم للرأي العام. الفعل الشعبي المباشر هو الأداة الأكثر فاعلية للوصول للمطالب)
إن ما تقترحه يا سيدى يقوم به هؤلاء الشباب بشكل أفضل بكثير مما تقدمه لهم، ولو كلفت نفسك عناء إلقاء نظرة على موقع "اليوتيوب" لوجدت عشرات ومئات المقاطع التى تصور التعذيب فى الأقسام والشوارع، ناهيك عن المظاهرات والوقفات، لقد كان هذا الإسلوب إختراعا حصريا لهم ، وللعلم فإن خطتهم فى حال القبض على أى ناشط محددة كما جاء فى احدى وثائقهم على النحو التالى:
(عند حدوث اعتقال لاحد اعضاء المجموعة : تقوم لجنة الطوارىء بوضع 4 محاور للتحرك وفقا للترتيب التالى
-1 الدعم القانونى .. بتفويض محامى يتابع سير القضية و المعتقل و يمده بالنصائح و يقوم بكافة الشغل القانونى وينسق مع المراكز القانونية الداعمة
-2 الاعاشة .. و هى كل ما يحتاجه المعتقل من ادوات معيشية .. تموينية .. كسائية .. طبية .. و كتب و مذكرات .. و هى تكون بالتنسيق مع المحامى المتابع للقضية .. و يجب ضمان استمرارها و التأكد من وصول تلك المواد
-3 الضغط الاعلامى .. وهى بنشر قضية المعتقل عند وسائل الاعلام و الصحف و شرح مبررات الاعتقال مع اخفاء الامور التنظيمية التى لا يجوز ذكرها
-4 الضغط الاحتجاجى .. و هى بتنظيم الوقفات الاحتجاجات و الوقفات وممارسة وسائل الضغط على الخصم واحراجه و دفعه الى تسريع اجراءات الافراج عن المعتقل)
ختاما فإننى أوجه التحية للزميل كاتب المقال، فقد لعب دورا هاما فى اطار الحركة الطلابية فى سبعينيات القرن الماضى، ودفع ثمنا غاليا من عمره بالسجون والمعتقلات، ومشاركته بهذا المقال يعد اضافة قيمة، فله منى كل التحية
No comments:
Post a Comment