تعد قضية ما يعرف بزواج المتعة من القضايا الخلافية الهامة ما بين المذهب الشيعي الجعفري تحديدا وبين المذاهب السنية بوجه عام , ومنذ ظهور المذاهب وحتى الآن أثير لغط كبير و ألفت مئات الكتب ودبجت آلاف المقالات وتم خوض العديد من المعارك حول هذا الموضوع, هذا الاختلاف الفقهي, استغل بشكل سلبي, ليذكي الخلاف العقدي, والصراع السياسي بين المذهبين, الذي استمر لعقود من الزمن, فيما زواج "المتعة" مفردة فقهية, لا تدخل ضمن المنظومة العقدية أو السياسية للمذهبين الإسلاميين.
ويعّرف زواج المتعة بأنه زواج مؤقت أو منقطع بين رجل وامرأة يتم الاتفاق بينهما على سريانه لمدة محددة يتم الطلاق بينهما تلقائيا بانقضاء تلك المدة, ويشترط لصحة هذا الزواج أن يكون مصحوبا بمهر أو صداق أو أجر, وأن تحدد مدة زمنية لسريانه, في حالة عدم وجود مانع شرعي بين الطرفين من نسب أو رضاع أو إحصان أو عدة, وينسب النسل الحادث عن هذا الزواج إلى الأب ولكن ذلك ليس شرطا لديمومته.
ويختلف زواج المتعة عن الزواج الدائم في عدة أمور هي:
- ربط زواج المتعة بمدة زمنية محددة, كيوم أو شهر أو سنة أو أقل أو أكثر حسبما يكون الاتفاق بينهما.
- لا يتطلب زواج المتعة وجود شهود أو ولى ولكن أن تكون المرأة مطلقة أو أرملة رشيدة أو بكرا راشدة معيلة لنفسها.
- لا يترتب على زواج المتعة ميراث ولا قسمة ولا نفقة.
- عدم التقيد بعدد المتمتع بهن, وقيل عن الصادق( تزوج منهن ألفا فهن مستأجرات)
- يجوز التمتع بالمرأة الواحدة مرات عديدة ولا تحرم بعد الثالثة كالطلاق البائن.
- لا يشترط زواج المتعة وجود سكن زوجية.
- المرأة المطلقة من زوجها لا يجوز إعادة التمتع بها لنفس الزوج.
ويستند الشيعة في تحليل زواج المتعة إلى قوله تعالى (فما استمتعتم به منهنّ فآتوهنّ أجورهنّ فريضة من الله)[سورة النساء: الآية 24]. وقالوا في ذلك أن الاستمتاع دون الزواج وأن الأجر غير المهر.
كما أنهم يقولون أن التمتع بالنساء كان مباحا في عهد رسول الله وأبو بكر وصدر من عهد عمر حتى قال (متعتان كانتا على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وأنا أنهى عنهما وأعاقب عليهما، متعة النساء ومتعة الحج) كما جاء في التفسير الكبير للفخر الرازي ج 10 ص 50 وتفسير القرطبي ج 2 ص 370 وزاد المعاد لابن القيم ج 2 ص 184، وغيرهم, وقال علماء الشيعة بالقاعدة الفقهية الشهيرة (إن حلال محمد "ص" حلال إلى يوم القيامة وحرامه حراما إلى يوم القيامة).
وأما أنه كان مباحا في عهد الرسول"ص" ما رواه مسلم في صحيحه عن قيس قال: سمعت عبد الله يقول: كنا نغزو مع رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ليس لنا نساء، فقلنا ألا نستخصي؟ فنهانا عن ذلك، ثم رخّص لنا أن ننكح المرأة بالثوب إلى أجل، ثم قرأ عبد الله (يا أيها الذين آمنوا لا تحرّموا طيبات ما أحلّ الله لكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين)[سورة المائدة: الآية 87] صحيح مسلم ج 6 ص 119.
ويذهب الشيعة إلى مشروعية المتعة من قول الخليفة الثاني عمر( أنهى عنهما وأعاقب عليهما )، تدل أن هاتين الجملتين أن المتعة كانت حلالاً في حياة النبي، وحياة الخليفة الأول أبي بكر، ولذلك فقد ذهب كثير من الصحابة إلى مشروعية المتعة، خلافاً لما ذهب إليه عمر، وأنكروا عليه نهيه عن المتعة، منهم الإمام علي (عليه السلام) ، وعبد الله بن عباس، وعمران بن حصين، وأبيّ بن كعب، وسعيد بن جبير، ومجاهد، وقتادة وشعبة وأبو ثابت، بل وعبد الله بن عمر، الذي كان يراجَع في موقفه المخالف لموقف أبيه فيقول: سبحان الله، نقول لكم قال رسول الله وتقولون قال عمر؟.
روى الثعلبي والطبري في تفسيريهما لآية المتعة قول الإمام علي (عليه السلام) (لولا أن عمر نهى عن المتعة ما زنى إلاّ شقيّ).
- روى ابن جريج وعمر بن دينار عن ابن عباس قوله (ما كانت المتعة إلاّ رحمة رحم الله بها أمة محمد، ولولا نهيه – أي عمر - عنها ما احتاج إلى الزنا إلاّ شفيّ)، قال ابن الأثير في البداية والنهاية عند مادة شفي بالفاء: أي إلاّ قليل من الناس، وكان ابن عباس يجاهر بإباحتها حتى في أيام عمر.
- ذكر الرازي عند تفسير آية المتعة، وأحمد في المسند: قول عمران بن حصين: أنزل الله في المتعة آية وما نسخها بآية أخرى، وأمرنا رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالمتعة وما نهانا عنها، ثم قال رجل برأيه ما شاء.
في صحيح الترمذي أن ابن عمر عندما قال عن المتعة أنها حلال، قيل له: إن أباك نهى عنها، فقال: أرأيت إن كان أبي نهى عنها وصنعها رسول الله (صلى الله عليه وآله)، أنترك السنة ونتّبع قول أبي؟. ولعل قصد ابن عمر بكلمة (صنعها) أي أباحها.
أمّا معظم فقهاء السنة فيخالفون الشيعة في هذا الأمر ويرون أن المتعة كانت حلالا فنسخت وحرمت ويستدلون على ذلك بأحاديث منها:
1. عن الربيع بن سيرة الجهني أن أباه حدثه أنه كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " يا أيها الناس إني قد كنت أذنت لكم في الاستمتاع من النساء وإن الله قد حرم ذلك إلى يوم القيامة فمن كان عنده منهن شيء فليخل سبيله ولا تأخذوا مما آتيتموهن شيئاً " . رواه مسلم ( 1406 ) .
2. عن علي رضي الله عنه : " أن رسول الله صلى الله وسلم نهى عن نكاح المتعة وعن لحوم الحمر الأهلية زمن خيبر ." وفي رواية : " نهى عن متعة النساء يوم خيبر وعن لحوم الحمر الإنسية ." رواه البخاري ( 3979 ) ومسلم ( 1407 ) .
وينكر الشيعة نسخ هذا الحكم بأدلة منها:
1-القول بأن الرسول"ص" أباحها ثم منعها ثم أباحها فمنعها عدة مرات عدها البعض سبعا يرد على قائليه بأنه لو كانت المتعة محرمة لما أباحها رسول الله"ص" ساعة من زمن.
في ذلك يأتي قول الإمام الشافعي( لا أعلم شيئا أحله الله ثم حرمه, ثم أحله ثم حرمه سوى المتعة).
2- أن أصل مشروعية زواج المتعة، منصوص عليه في القرآن الكريم، وهو قوله تعالى: (فما استمتعتم به منهنّ فآتوهنّ أجورهنّ فريضة من الله)[سورة النساء: الآية 24]. والقول بأن السنة لا تنسخ الكتاب وأنه لم تأت آية ناسخة لهذه الآية.
على أنه من الصعب الايتيان هنا بكل ما قاله الشيعة والسنة في هذا الأمر لكثرته وتنوعه, ولخروج معظم كاتبيه قديما وحديثا عن أصول الحوار, وأدب التخاطب وكأنها نهاية الكون أن يعترف سني بصحة زواج المتعة أو ينكرها شيعي, وذلك بالرغم ما يعترف به أهل السنة بأنواع متعددة من الزواج كالعرفي والمسيار والسري وما ذكر عن أحد أقطاب السنة (الشيخ عبد المجيد الزندانى) من ترويجه لنوع جديد يسميه "زوج فرند" تيمنا بما هو سائد في الغرب من"بوى فرند".
ويغالى السنة أحيانا في هجومهم على الشيعة قائلين:
1- إن نكاح المتعة ليس الهدف منه ما يهدف إليه الزواج من إقامة أسرة أو عمران بيت وإنما لا يعدو كونه "دعارة"مقننة, وان ما يقال عنه مهرا ليث إلا مثل أجر صاحبات الرايات في الجاهلية والذي كانوا يسمونه مهر البغي.
2- القول بأن الشيعة في محاولة منهم لجذب الشباب السني للدخول في مذهبهم بسّطوا لهم إقامة هذا النوع من العلاقات الجنسية الخفيفة معتمدين في ذلك على أزماتهم الاقتصادية والاجتماعية وذلك لإشباع غرائزهم دون أن يترتب على ذلك مسئولية.
3- قولهم أن كره الشيعة لعمر بن الخطاب وردهم لما قال هو السبب الحقيقي وراء تمسكهم بزواج المتعة.
وهذه الجملة من الأقوال لا يعتد بها ولا يستقيم معها منطق وإنما قيلت في معرض الكيد والنكاية للشيعة وبيان أنهم لا يقيمون للأخلاق حسابا في مذهبهم, وهذا ظلم عظيم لهم, فكما بيّنا أن للسنة أيضا الكثير من التخريجات الزواجية التي لا تقل في سهولة صنعها من زواج المتعة, صيغاً مشابهة أو مطابقة أو قريبة منه, لا تختلف عنه إلا في الاسم فقط.
ولكن الشيعة أيضا قد غالوا كثيرا في تعداد مزايا المتعة فمن قائل أن شرعية زواج المتعة في الإسلام من الناحيتين النقلية والعقلية وكيف أنه (الوحيد) الذي يستند إلى تلك البراهين دون بقية أنواع الزواج المختلفة التي ظهرت لاحقاً، بل بعضها قد ظهر أخيراً نظراً للحاجة الملحّة لهذا النوع من الزواج خصوصاً لبعض الفئات من الناس, وادعائهم أنه قد نصح الفيلسوف البريطاني الشهير Bertrand rassel - وهو الجاهل بقانون المتعة الإسلامي - المجتمع الإنساني بتشريع قانون المتعة كحل نهائي لمشكلة الجنس، على أساس أن الرجل يحتاج على أي حال إلى المرأة وكذلك المرأة تحتاج إلى الرجل، فإذا لم يتمكنا من تحمل كل مسؤوليات الزواج الدائم، ولم يعطيا كذلك فرصة شرعية للزواج المؤقت فإن لابد وأن يسقطان في العلاقة الغير شرعية.
على أننا يجب أن نشير هنا إلى عدة نقاط نراها ضرورية:
إن زواج المتعة بعيدا عن الصراعات المذهبية هو زواج شرعي وذلك حسب تفسيرنا للنصوص القرآنية والمتواتر من أحاديث الرسول"ص" وان كنت أحبذ في ذلك موقف الخليفة عمر وجرأته في منع هذه الرخصة لكون ضررها أكبر من نفعها, وحقا لم يكن ليقدر على اتخاذ مثل هذا الموقف إلا عمر وهو الذي أوقف نصا قرآنينا مثل سهم المؤلفة قلوبهم وأوقف حد السرقة فى عام الرمادة.
1- إن تمتع السنّي بالنساء مخالفة لأغلب أئمة المذهب هي جائزة ولا تعد انفلاتا منه باختيار ما يبيحه مذهب الشيعة الجعفرية وذلك لأن أتّباع السنّي لذلك جائز قد أفتى به جملة من كبار العلماء وعلى رأسهم الشيخ محمود شلتوت شيخ الجامع الأزهر"رحمه الله"وذلك في فتوى شهيرة له هذا نصها:
نص فتوى الشيخ شلتوت
التي أصدرها صاحب الفضيلة الأستاذ الأكبر الشيخ محمود شلتوت شيخ الجامع الأزهر. فى شأن جواز التعبد بمذهب الشيعة الامامية.
قيل لفضيلته:
إن بعض الناس يرى أنه يجب على المسلم لكي تقع عباداته ومعاملاته على وجه صحيح أن يقلد أحد المذاهب الأربعة المعروفة وليس من بينها مذهب الشيعة الإمامية ولا الشيعة الزيدية, فهل توافقون فضيلتكم على هذا المبدأ على إطلاقه فتمنعون تقليد مذهب الشيعة الإمامية الاثنا عشرية مثلاً:
فأجاب فضيلته:
1ـ إن الإسلام لا يوجب على أحد من أتباعه إتباع مذهب معين بل نقول إن لكل مسلم الحق في أن يقلد بادئ ذي بدء أي مذهب من المذاهب المنقولة نقلاً صحيحًا والمدونة أحكامها في كتبها الخاصة ولمن قلّد مذهبًا من هذه المذاهب أن ينتقل إلى غيره ـ أي مذهب كان ـ ولا حرج عليه في شئ من ذلك.
2ـ أن مذهب الجعفرية المعروف بمذهب الشيعة الإمامية الاثنا عشرية مذهب يجوز التعبد به شرعًا كسائر مذاهب أهل السنة.
فينبغي للمسلمين أن يعرفوا ذلك, وأن يتخلصوا من العصبية بغير الحق لمذاهب معينة, فما كان دين الله وما كانت شريعته بتابعة لمذهب أو مقصورة على مذهب, فالكل مجتهدون مقبولون عند الله تعالى يجوز لمن ليس أهلاً للنظر والاجتهاد تقليدهم والعمل بما يقررونه في فقههم, ولا فرق في ذلك بين العبادات والمعاملات.
السيد صاحب السماحة العلامة الجليل الأستاذ محمد تقي القمى:
السكرتير العام لجماعة التقريب بين المذاهب الإسلامية:
سلام عليكم ورحمته, أما بعد فيسرني أن أبعث إلى سماحتكم بصورة موقع عليها بإمضائي من الفتوى التي أصدرتها في شأن جواز التعبد بمذهب الشيعة الإمامية راجيًا أن تحفظوها فى سجلات دار التقريب بين المذاهب الإسلامية التي أسهمنا معكم فى تأسيسها ووفقنا الله لتحقيق رسالتها والسلام عليكم ورحمة الله.
شيخ الجامع الأزهر
السابع عشر من شهر ربيع الأول 1378هـ.
2- أيضا ما يدعم الرأي السابق هو بيان حكم فقهاء السنة في السني الذي يضبط وهو متزوجا زواج متعة من الرجال أو النساء فقد قالوا بعدم إقامة حد الزنا عليه واعتبار انه زواج شبهة مع إلحاق المولود بأبيه, وأفتوا أيضا بعدم القول بكفر من يبيح زواج المتعة, أي أن الأمر غير قاطع الدلالة لديهم.
أخيرا فمهما قيل عن شرعية كل أنواع الزواج الغير تقليدي, أقصد الزواج الموثق, فجميع أنواعه تعد تحايلا على فكرة الزواج ورغبة في أخذ الأمور باستخفاف والاستمتاع الجسدي مع التهرب من التكاليف والمسؤوليات, وذلك مع سيل الفتاوى التي تغمرنا من الفضائيات من أمثال زوج فرند والفتوى باعتبار الخادمات ملك يمين وتحليل معاشرتهن, مما يبيّن أننا ما زلنا ننظر إلى المرأة على أنها سلعة للبيع, واضعين فيها كل عقدنا النفسية وموروثنا المتخلف وفتاوى شيوخنا الأجلاء الذين قال فيهم الشيخ محمد عبده:
ولكنه دين أردت صلاحه ***أحاذر أن تقضى عليه العمائم
Sunday, May 2, 2010
المتعة.....بين الفقه والسياسة
Subscribe to:
Post Comments (Atom)
No comments:
Post a Comment